للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مطلَق، وهَذَا مطلَق ماء، قَالُوا: ما تغيَّر بالأَشْيَاء الطاهرة لَيْسَ بطَهور؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بماءٍ مُطلَقٍ وإنما مطلق ماء، والفرق بين التعبيرينِ معروفٌ عند الفقهاءِ وعند الأُصُولِيِّينَ وعند أهلِ الكَلامِ؛ أنَّ الفرقَ بين مُطْلَق الشَّيْء والشَّيْء المطلَق أنَّ الشَّيْء المطلق معناه: الكمال، ومطلق الشَّيْء معناه: الأَصْل.

وهنا في قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} المقصود الفِسْقُ الأكبرُ؛ لِأَنَّهُم خارجونَ عن مطلَق الطاعة، فلَيْسَ عندهم طاعةٌ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: إثبات آيَة من آيَات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وذلك أن يَدَه دخلتْ عَلَى طبيعتِها ثُمَّ خرجتْ بيضاءَ من غيرِ سُوءٍ فِي لحظةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ}، وقوله: {تَخْرُجْ} جواب لـ (أدخل)، فالمَعْنى أَنَّهُ بمجرد الإدخال تخرج، وَلَيْسَ المَعْنى أَنَّهَا بمجرد أنْ دخلتْ تخرج بِنَفْسِها، بل تخرج إذا أخرجها، فإذا أخرجها فإذا هِيَ بيضاء، وهَذَا من آيَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آيَاتِ الأَنْبِياء، حَيْثُ تكون مناسبةً للعصرِ الَّذِي بُعِثوا فيه؛ لِأَنَّ هَذِهِ الآيَة تُشْبِه السحرَ، لَكِنَّها حقيقةٌ، والسحر خَيَال. فالسحر لا يمكنُ أنْ يَقْلِبَ اليدَ إِلَى بيضاءَ، أو المتحرِّك إِلَى ساكنٍ، أو الساكن إِلَى متحرِّك، فلا يمكن أن يقلبه حقيقةً، لكِن هَذِهِ الآيَة حقيقةٌ.

الْفَائِدَةُ الْثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يَنبغي الاحتراز فِي الكَلامِ عندما يُوهِم الشَّيْء لأمير يُحْتَرَزُ منه؛ لِقَوْلِهِ: {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} فإن البيضاء قد تكون من سُوء، ولكِنه احترز بِقَوْلِهِ: {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} ففي الآيَةِ دليلٌ عَلَى مبدإِ الاحترازِ فِي الكَلامِ.

<<  <   >  >>