للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالأَمْرُ ظاهرٌ، ولكِن لَيْسَ فِي الْقُرْآن ما يَدُلّ عَلَى ذلكَ، فنَقُول: إن إعطاءَهُ الكتابَ من جملةِ الوسائلِ الَّتِي تُبَيِّن صِدْقَهُ.

وقوله: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا} أشارَ إليه بالتعيينِ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَان يكتب لهم ولغيرهم، ولكِنه عَيَّنَ الكتابَ الَّذِي كَتبَهُ لهم.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} أي بِلْقِيس وقَوْمِها {ثُمَّ تَوَلَّ} انْصَرَفَ {عَنْهُمْ} وَقَفَ قريبًا {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} يَرُدُّون مِنَ الجوابِ، فأَخَذَهُ وأتاها وحولها جُنْدُها وألقاهُ فِي حَجْرِها، فلَمّا رَأَتْهُ ارْتَعَدَتْ وخَضَعَتْ خَوْفًا، ثُمَّ وَقَفَتْ عَلَى ما فِيهِ، ثُمَّ {قَالَتْ} لأشرافِ قَوْمِها: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ}].

ذهب به الهدهدُ فألقاهُ إليهم، أي: طَرَحَه بين أيديهم، وتولَّى عنهم كما أرشدَهُ سُلَيْمَان، ولكِنَّ هَذَا التولِّيَ لَيْسَ بعيدًا، بدليل قوله: {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}؛ فإن قوله: {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} يَدُلّ عَلَى أنَّ هَذَا التولِّيَ يَكُون قريبًا منهم، وفيه من الفوائد ما يأتي إنْ شاء اللهُ. ثُمَّ أخذتِ الكتابَ وقَرَأَتْهُ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفَائِدة الْأُوْلَى: أن الحيوانات تَعْقِلُ ما يُوَجَّهُ إليها منَ الأَمْرِ والنهيِ والاختبارِ والفحصِ؛ لِقَوْلِهِ: {اذْهَبْ} [النمل: ٢٨]، وقوله: {فَأَلْقِهْ} [النمل: ٢٨]، وقو له: {تَوَلَّ} [النمل: ٢٨]، وقوله: {فَانْظُرْ}، كُلّ هَذِهِ أوامر للهدهد؛ ممَّا يَدُلّ عَلَى أن هَذِهِ الحيوانات تَعقِل، ولكِن لَيْسَ معنى قولنا: إنَّهَا تعقل أن تكون عاقلةً لكل أحدٍ، صحيح أَنَّهَا تعقل عقلًا محدودًا بالنِّسْبَة لعامَّة النَّاس، ولهَذَا تُزجَر البهيمة فتنزجر وتدعوها فتُقْبِل، ولكِن لَيْسَ هَذَا كمثلِ تسخيرها لسُلَيْمَان عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ فإن تسخيرها لسُلَيْمَان أَنَّهَا تَنزِل منه مَنْزِلَةَ الْإِنْسَانِ العاقلِ الفاهِمِ، من كُلّ وجهٍ.

<<  <   >  >>