الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن الله تَعَالَى قد يُحْدِث منَ الأُمُورِ ما يَكُون سببًا لافتتان بعض النَّاس؛ لِقَوْلِهِ:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}، لِأَنَّهُ لمّا جاء صالح جاء الجَدْب، وهَذَا فِي الحقيقة فتنةٌ لبعضِ النَّاسِ؛ إذ يَقُول بعض النَّاس مثلًا: إن هَذَا من أَسْباب هَذِهِ الرسالةِ، فيَكُون سببًا للفتنةِ، لولا عصمة الله تَبَارَكَ وَتَعَالى، وهَذَا دائمًا يَكُون فِي أفعالِ اللهِ تَعَالَى الْقَدَرِّية والشَّرْعِيَّة، فِي الشَّرْعِيَّة: قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}[المائدة: ٩٤]، حرَّم الله الصيد عَلَى المحرِمين، فبعث الله إِلَى الصحابةِ - رضي الله عنه - صَيدًا تناله أيديهم ورِماحهم يُمْسِكه بيده بدون تعبٍ وبرُمْحِه بدون أن يحتاج إِلَى قوسٍ {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} فخافوه بالغيب.
وافتتن الله تَعَالَى قومَ موسى بالحيتانِ تأتيهم يومَ سَبْتِهِم شُرَّعًا مَعَ تحريم الصيد عليهم، ويوم لا يَسْبِتُون لا تأتيهم، ولكِنهم لم يَصْبِروا وخادعوا فتحايَلُوا، وصاروا يَضَعُون الشباكَ للحيتانِ فِي يوم الجُمُعة فتأتي الحيتان فتقع فِيها يوم السبتِ، فإذا كَانَ يوم الأحدِ جاءوا وأخذوها، وقَالُوا: نحن ما صِدنا يوم السبتِ، فقلبهم الله تَعَالَى قِرَدَةً، قَالَ تَعَالَى:{قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[الأعراف: ١٦٦].
فالحاصل أقول: إن الله تَعَالَى قد يَفتِنُ الْإِنْسَان بالفتنِ الشَّرْعِيَّة والْقَدَرَّية لأجلِ أن يعلمَ مَن يخافه بالغيب، ومن يصبر ومن لا يصبر.
أحيانًا أيضًا يُبْتلى المرءُ بالمصائبِ، قَالَ تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ}[الحج: ١١]، ومنَ النَّاس مَن يعبد الله تَعَالَى عَلَى أساسٍ لَيْسَ عَلَى حرفٍ، فإن أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ به، وشكرَ عليه، وإن أصابَتْهُ فِتنة صَبَرَ حَتَّى يَجْتَازَهَا.