للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإعرابِ حالٌ منَ الواوِ فِي {وَمَكَرُوا} أو منَ الضَّميرِ المحذوفِ فِي قوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا} يعني بهم {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: عَظَمَة اللهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أعظمُ مَكرًا ممَّن يَمكُرون به وبرسلِه، فهَؤُلَاءِ أرادوا المكرَ برسولِه ولكِن الله تَعَالَى مكرَ بهم بما هُوَ أعظمُ.

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: وصفُ اللهِ تَعَالَى بالمكرِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى سبيلِ الإطلاقِ، بل عَلَى سبيلِ التقييدِ، فيقال مثلًا: هُوَ ماكرٌ بأعدائِهِ أو بمَن يَستحِقّ المكرَ، أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ممَّا يجعل المكرَ صفةَ كمالٍ؛ لِأَنَّ المكرَ لَيْسَ بصفةِ كمالٍ عَلَى الإطلاقِ ولا بصفةِ نقصٍ عَلَى الإطلاقِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد يَمْكُرُ بالعبدِ فلا يَشْعُر بمكرِه، ومن مكرِ اللهِ بالعبدِ وَهُوَ لا يَشْعُرُ: استدراجُه إيَّاه بالنِّعم، حَيْثُ يُسْدِي إليه النعمَ وَهُوَ يبارزُ الله تَعَالَى بالعصيانِ، ومن مكرِه به تلبيسُه عليه فِي الحُكم، فيُلَبِّس عليه الحكم حَتَّى يَظُنّ الباطلَ حقًّا فيتمادى فيه، ولهَذَا من الدعاء المأثور: "اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنِي اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنِي اجْتِنَابَهُ" (١)، فالْإِنْسَانُ قد يَكُون لديه شُبْهَة أو شَهْوة؛ شبهة لا يَعْرِف الحقَّ، أو شهوة لا يريد الحَقّ ويريد غيرَه.

* * *


(١) ذكره الغزالي في إحياء علوم الدين (٤/ ٤٠١)، وقال العراقي في التخريج: "لم أقف لأوله على أصل".

<<  <   >  >>