بعضهم بعضًا لَزِمَ أحدُ أمرينِ: إمَّا استمرار الخَلِيقة الأُولى، وحينئذٍ يَلْحَقُها المللُ والسآمةُ وعدم التجديد، وَإمَّا انقطاع الخَلِيقَة؛ لِأَنَّهُ لا يوجد أحدٌ يَخْلُفُها، فاللهُ تَعَالَى مِن مِنَّتِه أنْ جعلَ النَّاسَ خُلَفَاء.
الآن تجدون الرجلَ إذا طالتْ به الحياةُ لا يُمِلُّه أهلُ سُوقِهِ فقطْ، بل يُمِلُّه أقربُ النَّاسِ إليه، تجدهم يَقُولُونَ: الله يُريحنا بالعافيةِ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، يدعون الله تَعَالَى بالراحةِ؛ لِأَنَّهُ يُقْلِقُهُمْ ويُؤْذِيهم. فهَذِهِ من نعمةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الْفَائِدَة الثَّامِنَةُ: كمال قدرة الله بجعلِ الخلفاءِ، فَهُوَ من رحمةِ اللهِ، وَهُوَ أيضًا من قُدرته؛ لِأَنَّ فِيهِ إحياء وإماتة، إماتة للأوَّلين وإحياء للآخِرين، وهَذَا من آيَات الله وقدرته. ولهَذَا احتجَّ إبراهيم عَلَى النمرود بِقَوْلِهِ:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨]، فدلَّ هَذَا عَلَى أن الإحياءَ والإماتةَ من آيَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الدالَّة عَلَى قُدْرَتِه.
الْفَائِدَة التَّاسِعَةُ: أَنَّهُ مَهْمَا كَثُرَتِ القرائنُ والبراهينُ فإنَّ مِنَ النَّاسِ مَن لا يَتَّعِظ بها؛ لِقَوْلِهِ:{قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}، وإنَّ منَ المتَّعِظِين أيضًا مَن قد يَكُون اتِّعاظه قليلًا؛ لِأَنَّ قوله:{قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} يَتَضَمَّن التذكُّر من واحد والتذكُّر من جماعة، فـ {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} يعني أن الواحدَ مِنَّا قد يتذكَّر لكِن قليلا إِلَّا مَن عَصَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكذلك أيضًا الفئاتُ منَ النَّاسِ لا يتذكَّر منهم إِلَّا القليل.