للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهَكَذَا إذا يسَّر الله تَعَالَى للعبدِ ما به الهداية فإن الأَمْرَ يَكُونُ عليه يسيرًا، وإذا لم يَتيَسَّرْ له أصبحَ كُلّ مانعٍ يَمْنَعُه منْ الِاهتداء وإنْ لم يكنْ مانعًا قويًّا.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ المَرْأَةَ آمنتْ بسُلَيْمَان، لم تُسْلِمْ إسلامًا مُطْلَقًا، يعني ما قالتْ: إني أسلمتُ للهِ فقطْ، بل صَرَّحَتْ بأنها تابعةٌ لسُلَيْمَان، يعني ما آمنتْ بنبيٍّ آخرَ أو بشريعةٍ أُخرى، آمنتْ بشريعةِ سُلَيْمَان فكانت من قَوْمِه، مَعَ أَنَّهَا كانتْ فِي سبأ فِي اليمنِ وسُلَيْمَان فِي الشامِ؛ لِأَنَّهَا قالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} فدلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا آمنتْ به؛ لِأَنَّ {مَعَ} للمصاحبةِ، فكانت من أصحابِهِ المُؤْمِنيِنَ به.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: أن المَعاصِيَ ظلمٌ للنفسِ؛ لِقَوْلِهِ: {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}، وسبقَ وجهُ ذلكَ وأنَّ الْإِنْسَان مؤتمَن عَلَى نفسِهِ؛ مؤتمن عَلَى نفسه من حَيْثُ السلوكُ والسيرُ، ومؤتمن عَلَى نفسه من حَيْثُ التصرفُ فِي مالِه، ومؤتمَنٌ عَلَى نفسِهِ من حَيْثُ التصرُّفُ فِي بدنِهِ، ولهَذَا نُهِيَ عن إضاعةِ المالِ (١)، ونُهِيَ عن قتلِ النفسِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، وقال تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]، وَأُمِرَ بالدواءِ: "تَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِالحَرَامِ" (٢)، وأُمِر بالأكل وبالشرب وباللباس وبالوقاية من الحرّ والوقاية من البرد، كُلّ هَذَا من أجل حِفْظ النفسِ الَّتِي هِيَ أمانة عندكَ، فالْإِنْسَان لَيْسَ حُرًّا يَتَصَرَّف كما يشاءُ فِي بدنه أو كما يشاء فِي سلوكه أو كما يشاء فِي مالِه، لا، هُوَ مُقَيَّد.


(١) رواه البخاري، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب ما ينهى عن إضاعة المال، حديث رقم (٢٢٧٧)؛ ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات وهو الامتناع من أداء حق لزمه أو طلب ما لا يستحقه، حديث رقم (٥٩٣)، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه أبو داود، كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة، حديث رقم (٣٨٧٤)، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>