للتخفيف فِي قوله تَعَالَى فيما سبق:{حَتَّى تَشْهَدُونِ}[النمل: ٣٢]، والاسْتِفْهام فِي قوله:{أَتُمِدُّونَنِ} للإنكار والتعجيبِ، يَعْنِي: كيف تمدونني بمال وأنا عندي من المال ما لَيْسَ عندكم؛ ولهَذَا قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} من النبوَّة والملك {خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} من الدُّنْيا]، وكذلك من المالِ؛ لِأَنَّ عند سُلَيْمَان المال ما لَيْسَ عند هَذِهِ المَرْأَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فالاسْتِفْهام فِي قوله:{أَتُمِدُّونَنِ} للتوبيخِ والتعجيبِ، يَعْنِي: كيف تمدونني بمال -وهي هَذِهِ الهَدِيَّة- فما آتاني اللهُ منَ المالِ والمُلك والنبوَّة وغير ذلك من كُلّ ما آتاه الله خير مما آتاكم؟ !
قوله:{بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} يَعْنِي أنني لا أفرح بهدية ولا تُهمّني الهَدِيَّة، ولكِنكم أنتم الَّذِينَ تفرحون بها وتفخرون بها، فهل المَعْنى: تَفرحون إذا أُهدي إليكم، أو تفرحون إذا أهديتم وترَوْنَ لكم فضلًا عَلَى المهدَى إليه؟
كله محتمِل، لكِن الظَّاهر -واللهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ يريد الأول، بمعنى: أنكم أنتم الَّذِينَ تفرحون بالهَدِيَّة، وتقع منكم موقعًا بحيث تَفْتُرُ عَزِيمَتكم وتوجب أن تَعدِلوا عما أنتم عليه، أَمَّا أنا فلا تهمني الهَدِيَّة، والاحتمال الثاني أن يَكُون بإهدائكم إليَّ تفرحون، أي: تفخرون بها، ولكِن المَعْنى الأول أليق بالسياق.
وقوله:{بِهَدِيَّتِكُمْ} أي: بالإهداء إليكم؛ لِأَنَّ هدية مصدر، فيجوز أن يُضاف إِلَى الفاعل، ويجوز أن يضاف إِلَى المَفْعُول.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدَة الْأُوْلَى: أنّ مِن المُسْتَحْسَنِ أنْ يتقدَّم الرئيس -رئيس الوفد أو القوم- بالكَلام أو الفِعْل إذا كَانَ مكلَّفًا بالفِعْل، المهم أن يَكُون المتقدم الرئيس؛ لِأَنَّ تقدم