و"يعلنون"(١)؛ فإن الذِي فِي المصحف قراءة عاصم:{وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} يُخاطِب بذلك سُلَيْمَان، وقوله رَحَمَهُ اللَّهُ: [{مَا يُخْفُونَ} فِي قلوبهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} بألسنتهم]، تقييده بالألسنةِ فِيهِ نَظَرٌ، لو قَالَ: بِأَلْسِنَتِكُمْ وجَوَارِحكم؛ لِأَنَّ ما يُفْعَل بالجوارح معلَن كما أن ما يُنْطَق به باللسانِ مُعْلَن أيضًا {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}.
وهَذَان الوصفانِ -إخراجُ الخبءِ والعلمُ بما يُبْطِنُ العبدُ وما يعلنه- لا يَكُونان لأحدٍ من المخلوقينَ، لا للشمسِ ولا لغيرِ الشَّمْسِ، وإنما ذلك خَاصّ بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولهَذَا جَعَلَه الهدهدُ منَ الأَسْبَاب الَّتِي تَستلزِم أن تكونَ العِبادَةُ للهِ وحدَه؛ لِأَنَّهُ العَالِم بها.
ولا يمكن أن يُؤْتَى بوصفٍ يَستلزِم العِبادَةَ إِلَّا إذا كَانَ خاصًّا بالله؛ لِأَنَّهُ يؤتى بهَذَا الوصفِ استدلالًا عَلَى بُطلانِ عبادةِ ما سواه، ولو كَانَ مما يُمْكِن أن يَكُون للهِ لم يكنْ ذلكَ دليلاً عَلَى اختصاصِ اللهِ تَعَالَى بالعُبُودِيَّة، إذ قد يقولُ العابدُ للشيء: وهَذَا وصف أيضًا موجود فِي معبودي فأنا أعبده.
فالمهمّ أَنَّهُ لا يمكن أن تُقامَ الحُجَّة إِلَّا بدليلٍ خَاصّ بالمحتجِّ له، يعني أَنَّهُ لا يُمْكِن أن تُقِيمَ الحجَّةَ بأن العِبادَةَ للهِ وحدَه إِلَّا بوصفٍ خَاصٍّ بالله؛ لأنك لو احتججتَ بوصفٍ يَكُون لله ولغيرِه لكان العابدُ لغيرِ اللهِ يَقُول: وهَذَا الوصف أيضًا ممكن فِي معبودي فلا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مما يختص به اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفَائِدَة الْأُوْلَى: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى هُوَ المستحِقّ للعبادةِ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ}[النمل: ٢٥]؛ لِأَنَّهُ لا أحدَ يَستطيعُ ذلك إِلَّا الله، لا أحد يستطيعُ