الفَائِدَة الْأُوْلَى: أن من البلاغةِ الإيجاز بالحَذْفِ؛ لِأَنَّ قوله:{حَتَّى إِذَا أَتَوْا} قبلَ الشَّيْءِ المحذوفِ، والتَّقْدير:(فساروا حَتَّى إذا أتوا عَلَى وادي النمل) لِأَنَّ (حَتَّى) للغاية فلابد أن يَكُون هناك شَيْء محذوف قبلها.
الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وفيه دليلٌ عَلَى إضافةِ المكانِ إِلَى ساكنِه؛ لِقَوْلِهِ:{وَادِ النَّمْلِ} كما يُقَال الْآنَ فِي الأحياءِ فِي البلد: هَذَا حيُّ بني فلانٍ، كما هُوَ معروف من قديم الزمان أن الأحياء تضاف إِلَى ساكنيها.
الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: هل نَقُول: فِي هَذَا دليلٌ عَلَى أن النملَ إذا سكنَ أرضًا مَلَكَها بحيثُ لا يجوزُ إحياؤها ولا الاستمتاعُ بها، ففِي الآيَهِ يَقُول الله تَعَالَى:{وَادِ النَّمْلِ} فإذا قلت: (بيت فلان) هل لك حقٌّ أن تأتيَ إِلَى بيتِ فلانٍ وتسكنه؟
نَقُول: صحيح، فلو نظرنا إِلَى مطلَقِ اللفظِ لكان وادي النمل للنمل، ولكِن الله تَعَالَى يَقُول:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: ٢٩]، فإذا كَانَ النمل يُؤْكَل أَكَلْنَاهُ، فكيف لا نأكل مساكنَهم، فبنو آدم هم أحقُّ بالْأَرْض من غيرهم، فإذا احتاج الْإِنْسَان مثلًا إِلَى عمارة هَذِهِ الْأَرْض، وكَانَ فيها نملٌ، فلا بأسَ أن يَعْمُرَها، ولو لزِم من ذلك أن يموت النمل؛ لِأَنَّ هَذَا الموت غير مقصود، وما كَانَ غير مقصود وإنما جاء ضرورة لتناول المباحِ فَإِنَّهُ لا يضرُّ، وهَذِهِ القاعدةُ معروفةٌ فِي الشرعِ، أن الشَّيْءَ الَّذِي يأتي ضرورةً لفعلٍ مباحٍ وَهُوَ غير مقصودٍ فَإِنَّهُ لا بأسَ به، وانظُرْ مثلًا إِلَى قتلِ النِّسَاء والذُّرِّيَّة فِي الحربِ فإنه لا يجوز، لكِن إذا لم نتوصلْ إِلَى قتل المقاتلينَ إِلَّا بالرمي بالمنجنيقِ والمدافعِ الْعَامَّة فَإِنَّهُ يجوز، ولو لزِم من ذلك قتل النِّسَاء والذرَّية؛ لِأَنَّ هَذَا غير مقصودٍ. كذلك أيضًا قطع نخيل العدوّ لا يجوزُ، ولكِن