ما بَعْد الْآنَ لا يُمْكِنُهم ذلك، كما أَنَّهُم لا يمكنهم أنْ يُحْيُوا إِنْسَانًا ولا يمكنهم أن يمنعوا خروجَ نفسِهِ عندَ خُرُوجِها.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: نجدهم الْآنَ يُعالجِون المرضى المُزمِنِينَ ثُمَّ يَشْفُونَ، فما الجواب؟
الجواب: نَقُولُ: مثل هَذَا لا يَعْدُو أن يَكُون سببًا، قد يَنْفَع وقد لا ينفع، قد يعارضه مانع حضور الأَجَل، وإذا حضرَ الأجلُ بَطَلَ مَفْعُوله فلا ينفع، نحن لا نُنْكر الأَسْبَاب ولَكِنَّنَا نُنْكِر أن تكون هَذِهِ الأَسْبَاب موجِبَةً لِمُسَبَّباتها، فلا تُوجِبها؛ لِأَنَّهَا قد تُفيدُ وقد يوجد مانعٌ، وَلَيْسَ هَذَا خاصًّا بهَذِهِ المسألةِ، فكُلّ الأَسْبَاب قد يوجدُ فيها مانعٌ أَقوى مِنْهَا فيمنع من نُفُوذِها.
الْفَائِدَة الْعَاشِرَةُ: تحدِّي هَؤُلَاءِ المتَّخِذِين آلهةً مَعَ اللهِ أن يَكُون لآلهتهم شيءٌ من هَذَا؛ لِقَوْلِهِ:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} فإن هَذَا تحدٍّ عظيمٌ ولا يستطيعون أن يُثْبِتُوا ذلك.
الفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إقامة الحُجَّة عَلَى سَفَهِ هَؤُلَاءِ المشركينَ؛ لِقَوْلِهِ:{بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} أي: يَعْدِلُون باللهِ غيرَه، وَلَيْسَ المُراد العَدْل الَّذِي هُوَ ضدُّ الظُّلم، إذا كَانَ هَذَا هُوَ المُراد لكان هَؤُلَاءِ مَمْدُوحِينَ بما هم عليه، ولكِن المُراد يَعْدِلون بالله غيرَه، ويجعلونه عديلًا للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومُساويًا له.
<مز>الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: ما أشرنا إليه كثيرًا من أنَّ الكلِمات لَيْسَ لها معنًى داخليٌّ، بل معناها يحدِّده السياق؛ لِأَنَّ كلمة {يَعْدِلُونَ} لو كَانَ لها معنى ذاتيّ لكانت هنا بمعنى: لا يَجُورُونَ؛ لِأَنَّ المفهوم من هَذَا الفِعْل أَنَّهُ العدلَ بمعنى إعطاءِ كُلّ ذي حقٍّ حقَّه، والأَمْر هنا لَيْسَ كذلكَ، بل هَذَا ظُلم أن يعدِلوا باللهِ غيرَه، وبهَذَا التقرير الَّذِي حَرَّرْنَاهُ يَتبَيَّن رُجحانُ كلامِ شيخِ الإِسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّة حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ