أم ماذا تصنع، فالمَرْأَة بذكائها دخلتْ ولكِن مَعَ التحفُّظ والاحتراز، {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} أي: رفعتْ ثوبها حَتَّى بان الساقانِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن المَرْأَة من قديم الزمانِ شِيمَتها التستُّر؛ لِأَنَّ قوله:{وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} دليل عَلَى أن الأَصْلَ أَنَّهَا مستورةٌ، وَهُوَ كذلك، بخلاف الرجلِ فإنَّ "أُزْرَة المُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ"(١). الْآنَ أصبح الأَمْرُ بالعكسِ عندَ كثيرٍ من المُسلِمينَ مَعَ الأسفِ، فأصبحَ الرِّجال ثِيَابهم مُسْبَلَةً، والنِّسَاء ثيابهنّ قَصيرةً، وهَذَا خلافُ الفِطرةِ الَّتِي فَطَرَ الله عليها الخلقَ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الرؤيةَ قد تُكَذّب، وأن ما يدرك بالحواسّ لَيْسَ عَلَى الأَمْر الواقعِ مائةً بالمِئَةِ؛ لِقَوْلِهِ:{حَسِبَتْهُ لُجَّةً}؛ فإنَّ هَذَا كما هُوَ الواقع صَرْحٌ مُمَرَّد من قواريرَ، وتنظر إليه نظر العين ومع ذلك تَحْسَبُه لُجَّة، فدلَّ هَذَا عَلَى أن ما يُدْرَك بالحواسّ قد يقعُ فِيهِ الخطأُ، قد يَرَى الْإِنْسَان الشَّيْءَ المتحرِّكَ ساكنًا، والساكنَ متحرِّكًا، والأبيضَ أسودَ، والرجلَ امرأةً، بل قد يَتَخَيَّل له فِي بَصَرِه شيئًا وَلَيْسَ له حقيقةٌ.
وكذلك بالنِّسْبَةِ للسمع، وبهَذَا نَعْلَمُ أنَّ الشهاداتِ ورواياتِ الأخبارِ وغيرها كلها يُمْكِن أنْ يقعَ فيها الخطأ، وليستْ معصومةً مائةً بالمِئَةِ، ولكِن لَا شَكَّ أَنَّهُ كلَّما تَوَارَدَتِ الأخبارُ وتكاثَرَتْ فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أنَّ الأَمْرَ متأكَّد، ولكِن نفي احتمال الخطأ مهما بلغَ الرائي أو السامع من الْقُوَّة والأمانة فإن الخطأ عُرْضَة فيما رأَى أو فيما سَمِعَ، بل فِي المَلْمَسِ، فقد تَلْمَس الشَّيْءَ فتَظُنّه لَيِّنًا أو أملسَ وبالعكسِ، فالرجل الفلّاح يَلْمَس الشَّيْء الخشِن فيظنّه أملسَ، والناعمُ يَلْمَس الخشِنَ البسيط جدًّا
(١) أخرجه أبو داود: كتاب اللباس، باب في قدر موضع الإزار، رقم (٤٠٩٣)، وابن ماجه: كتاب اللباس، باب موضع الإزار أين هو، رقم (٣٥٧٣).