للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنْ ثَمَّ حَسُنَ أنْ يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ ونَقُولَ معه أيضًا: إنَّ الاستثناء في {إِلَّا} هنا مُنقطِعٌ؛ لأنَّهُ يَشمَل الرُّسُلَ وغيرَ الرُّسُلِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: وفي ذلك دليل عَلَى أنَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ أتى بعملٍ صالحٍ، فإن الله تَعَالَى يمحو العَمَلَ السيِّئَ بالعَمَلِ الصالحِ؛ لِقَوْلِهِ: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النمل: ١١].

وقد تَقَدَّمَ مناسبة ذكر هَذِهِ الجملة: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} فِي هَذَا المقام.

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: إثبات المغفِرَةِ والرَّحْمَة لله؛ لِقَوْلِهِ: {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

الْفَائِدَةُ الْثَّالِثَةُ: أن أخذَ الأحكامِ من مُقتَضَى أسماء الله تَعَالَى وصفاته. فإن قوله: {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: أَغْفِر له، وهَذَا حُكْمٌ، وأخذ الأحكامِ من مُقْتَضَى الأسماء والصِّفَات هَذَا من أحسنِ ما يَكُون منْ الِاستدلال.

ذُكِرَ أنَّ رَجُلًا قرأَ عند أعرابيٍّ: (والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيهما جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ غَفُور رَحِيمٌ) فقالَ الأعرابيُّ وَهُوَ لم يقرإِ الْقُرْآن: أعِدِ الآيَةَ، أخطأتَ فيها. فأعادها مرَّةً ثانيةً، وقال: (والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيهما جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). قَالَ له: أعِدِ الآيَةَ. فأعادها فِي الثَّالثة عَلَى الصَّواب، قَالَ: {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: ٣٨]، قَالَ: الآن، فَإِنَّهُ عزَّ وحكمَ فقَطَعَ، ولو غفرَ ورَحِمَ ما قطعَ (١). وهَذَا صحيح.


(١) خزانة الأدب للحموي (١/ ١٧٦).

<<  <   >  >>