الْفَائِدَةُ الْرَّابِعَةُ: أنَّ الْإِنْسَان لا يُلامُ عَلَى اتِّخاذِ الوقاية الدافعةِ أو الرافِعة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} وهَذِهِ الوقاية دافعةٌ رافعةٌ؛ رافعة للبردِ السابق، ودافعة للبردِ اللاحِق. فاتخاذ الوقايةِ الدافعةِ أو الرافعةِ لا يُلامُ عليه الْإِنْسَان، بل إِنَّهُ ربما يُؤْمَر به أمرَ إيجابٍ أو أمر استحباب، حَسَبَ ما تَقتضيه الحالُ الَّتِي يريد أن يرفعها أو يَدْفَعَها.
والنَّاس فِي هَذَا المقام ثلاثةُ أقسامٍ: قِسم يُوثَق به، وقسم لا يُوثَق به، وقسم محُتمل. الَّذِي لا يوثق به لا يُقبَل، والموثوق به يُقبَل، والمجهول أو المحتمل يُتَوَقَّفُ حَتَى يَتبَيَّنَ أَمْرُه.
والكَلام هنا عَلَى من يُوثَق به عامَّة أو خاصَّة، فقد يَكُون هَذَا الْإنْسَان معلومَ الحالِ عندي فأثِق به، وَهُوَ عندَ النَّاسِ مجهولٌ يَتَوَقَّفُون فِي أمرِه، فالثِّقَة هُوَ الَّذِي تثِق به.
مسألة: لو أنَّ رجلًا نظرُه ضعيفٌ، أخبرَ أَنَّهُ رأى الهلالَ، والنَّاسُ الَّذِينَ معه ما رأَوْهُ؟
لا يُقبل قولُه، ولو كَانَ عَدْلًا، ولهَذَا وقعَ عندَ بعضِ القُضاة فيما سبقَ أنْ تراءى النَّاس الهلالَ فقال شيخ منهم: إني رأيتُ الهلالَ، والنَّاس الَّذِينَ معه أَقوَى منه بَصَرًا