معلَّقة عَلَى الاصطفاءِ، وهَكَذَا أحكام الله الكونيَّة والْقَدَرَّية كلّها مربوطة بأَسْبابها، وذلك لثبوتِ الحِكْمَةِ فِي أحكامِ اللهِ؛ إذ إنَّ الله لا يفعل شيئًا إِلَّا لحكمة.
الْفَائِدَة التَّاسِعَةُ: أنّ ما جاءت به الرُّسُلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نقصٌ، سواء كَانَ ذلك فِي الأحكام الشَّرْعِيَّة أو فِي الأخبارِ، فما أخبرتْ به الرُّسُلُ فَهُوَ حقّ، لَيْسَ فِيهِ كذِب، وما أمرتْ به أو نهتْ عنه فَهُوَ عدلٌ، لَيْسَ فِيهِ جَوْر ولا ظُلم؛ لِأَنَّ قوله:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} أول من يدخل فِيهِ الرُّسُلُ؛ ولهَذَا يَقُول الله -عَزَّ وَجَلَّ- فِي سورة الصافَّات: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: ١٨٠]، فسلَّم عَلَى الرُّسُلِ لسلامةِ ما قالوه منَ النقصِ والعيبِ، وهَكَذَا هنا {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}.
الْفَائِدَة الْعَاشِرَةُ: أن من قام بما يجبُ عليه منْ الِاجتهاد فأخطأ فلا إثمَ عليه؛ لِقَوْلِهِ:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} فإذا اجتهد الْإِنْسَانُ فِي طَلَب الحَقِّ وتحرِّي الحَقّ وأخطأ فلا إثمَ عليه فِي هَذَا الخطإِ؛ لِأَنَّهُ ما دام مُتحرِّيًا للحقِّ وطالبًا له وفاعلًا لأَسْبابِهِ فَهُوَ منَ العبادِ المصطَفَيْن، فإذا حَصَل عليه خَلَل فَهُوَ سالمٌ مما يَكُون بهَذَا الخطأ، وهَذَا يَشهَدُ له قول الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَخْطأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِذَا حَكَمَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ"(١).
الفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: جواز المقارنةِ بينَ ما هُوَ خيرٌ مَحض وما لا خيرَ فيه؛
(١) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث رقم (٦٩١٩)؛ ومسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث رقم (١٧١٦)، عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -.