للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مراعاةً للخَصْمِ وإقامة للحجَّة عليه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}، فإن من المعلوم أن الله خيرٌ مما يُشرِكون، ولا مقارنةَ بينه وبينهم، لَكِنَّهُ يُخاطِب قومًا مشركينَ، إن كانتِ القراءةُ بالتاءِ، لِأَنَّ فيها قراءتينِ (أمَّا تشركون) و (أمَّا يُشْرِكون)، أو يتحدث عن قوبم مشركينَ، فلهَذَا راعَى أحوالهم فقال: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}.

<مز>الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ من أساليبِ المناظَرة إلزامَ الخَصْم بما يُقِرّ به، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لا يمكن أَنْ يَقُولُوا: إن آلهتهم خيرٌ أبدًا، ولهَذَا أعقبها بِقَوْلِهِ: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [النمل: ٦٠]، ممَّا هُوَ من أفعال الرُّبُوبِيَّة الَّتِي لا يمكِن لهم أن يَدَّعُوا أن آلهتهم تفعلها.

<مز>الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: عَدْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي إقامةِ الحُجَّة عَلَى المعانِدِين؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}؛ لأنَّهُ إذا وصلتِ الحالُ إِلَى هَذَا الأَمْرِ إِلَى أن يَقُول لهم: آللهُ خيرٌ أم أصنامكم، فيَكُون هَذَا من جملةِ ما يُقَال لهم، يَعْنِي: قل: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} وقل أيضًا لهَؤُلَاءِ: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}.

فيَكُون من جملة المقول، وهَذَا فِي غاية ما يَكُون منَ العدلِ وإقامة الحجَّة، وإلَّا فالله قادر عَلَى أن يدعَ هَؤُلَاءِ ويبين الحَقّ ولا حاجة إِلَى مناظرةٍ، ولكِن لإقامة الحجَّةِ عَلَى هَؤُلَاءِ ولكمالِ العدلِ فيما لو عُوقِبوا أن تكون عقوبتهم بَعْد إقامةِ الحجَّة فصار مثل هَذَا الكَلام.

<مز>الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أن لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجيرَّية المطلَقة فِي كُلّ شيءٍ، خِلافًا لمَا مشَى عليه المُفَسِّر حَيْثُ قَالَ: [{آللَّهُ خَيْرٌ} من يَعْبُدُه]، فالصَّواب: آلله خيرٌ فِي كُلّ شَيْء، خيرية مطلقة فِي صفاته وَفي أفعاله المتعلقة بعابديه.

<<  <   >  >>