للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والزلازلِ والفيضاناتِ والصواعِقِ والحاصِبِ منَ السَّمَاءِ بالبَرد أو غيرِه، كُلّ هَذَا إنذار بالآياتِ الكونيَّة إذا لم تُفِدِ الآيَات الشَّرْعِيَّة، وقد قيل (١):

الْعَبْدُ يُقْرَعُ بِالْعَصَا ... وَالحُرُّ تَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ

فالمؤمنُ الواعي الحيُّ يَكْفِيه ما فِي الْقُرْآنِ مِنَ الآياتِ العظيمةِ، ولكِن المُعْرِض اللئيم لا يَنْفَع فِيهِ إِلَّا العَصَا، إِلَّا الآيَات الكونيَّة الَّتِي تُخْضِعُه بغيرِ إرادته، هَذَا إذا لم يَكُنْ أيضًا قلبُه ميِّتًا للغاية، فإنْ كان قلبُه ميِّتًا للغايةِ لم تَنتفِ حَتَّى الآيَاتُ الكونيَّة، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} قِطعًا من العذاب تَنزِل من السَّمَاءِ، {يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} [الطور: ٤٤]، وعاد لما رَأَوهُ عَارضًا مستقبِلَ أوديتهم {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: ٢٤]، ، وَفي الوقتِ الحاضر إذا رَأَوْا هَذِهِ العقوباتِ يَقُولُونَ: هَذَا أمر طبيعيٌّ، من فَيَضَانات طبيعيَّة وبراكينَ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ منَ الكَلامِ الَّذِي يَدُلّ عَلَى موتِ القلوبِ.

فإِذَنْ: نَستفيد من هَذِهِ الآيَةِ: إنذار اللهِ تَعَالَى بالآياتِ الكونيَّة كما هُوَ عادته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

الْفَائِدَة الخَامِسَةُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُعْطِي العلمَ حَتَّى البهائم، هَذِهِ الدابَّة تقول {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} عَلَى أحدِ القَوْلينِ فيها، والقَوْل الثاني: أن هَذَا الكَلام من كلامِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن الكَلام عَلَى الدابّة انتهى عند قوله: (تكلّمهم)، يعني كأنها مِنهم، ثُمَّ يُعَلِّلُ اللهُ هَذَا الإخراجَ بِقَوْلِهِ: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}.

الْفَائِدَة السَّادِسَةُ: فِيهِ أنَّ عدمَ الْيَقينِ بآيَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سببٌ للهلاكِ، وَأَنَّهُ لا يَكفِي التردُّد أو الإِيمان الضعيفُ، بل لَا بُدَّ منْ إيقانٍ، فالمتردِّدُ بما يَجِب الإِيمانُ به


(١) مجمع الأمثال (٢/ ١٩).

<<  <   >  >>