المستضعَفُونَ، كما قَالَ الله تَعَالَى فِي سورة الأعراف:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ}، ما قَالَ: أَتُؤْمِنُونَ به {أَتَعْلَمُونَ} فماذا قَالَ هَؤُلَاءِ: {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}[الأعراف: ٧٥]، يعني لسنا نعلمُ فقط، بل نعلم ونؤمِن:{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[الأعراف: ٧٦]، ما قَالُوا: إنا به كافرون بالذي آمنتم به؛ لإظهار المضادَّة لهم والمعاندة، يعني ما دام آمنتم به وأنتم الضعفاء فنحن ضِدّكم دائمًا {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}، وهَذَا أبلغ ما يَكُون - والعياذُ بالله- من المضادَّة والمحادَّة والاستكبارِ أيضًا، كأنهم يَقُولُونَ: الَّذِي تؤمنون به نحن نكفرُ به، هَؤُلَاءِ الفريق آمنوا وفريق كفروا.
قوله:{فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} يعني يجري بينهم خِصام، وهَذَا الخصام الَّذِي جرى بين قومِ صالحٍ جرى أيضًا فِي قوم الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - وكل النَّاس قاوموه ولا بد، قَالَ تَعَالَى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ}[الفرقان: ٣١]، فلَا بُدَّ من هَذَا، ولا يُمْكِن أنْ يَتَمَحَّصَ الحَقّ إِلَّا بظهورِ العدوِّ؛ لِأَنَّ العدوَّ يُورِدُ، والوحي يُجيب، حَتَّى يَتَمَحَّصَ الْحَقُّ بيِّنًا ظاهرًا، حَتَّى فِي الأُمُور الواقعية، وحَتَّى فِي الانتصارِ وَفِي الخِذلان يَحْصُل هَذَا أيضًا، فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذكر من فوائدِ الخِذلان فِي أُحُد {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (١٤١)} [آل عمران: ١٤١]، فلا يَتبَيَّن الْحَقّ تمامًا إِلَّا بظهورِ عدوٍّ له يناقضه ويعاديه حَتَّى يَظْهَرَ الْحَقّ عَلَى الباطل.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: أَنَّهُ يَجِب أحيانًا تأكيدُ الأخبارِ المهمَّة ليَكُونَ المخاطَبُ عَلَى يقينٍ منها، ولا تَقُل: أنا لستُ ملزومًا ولا يُهِمُّنِي صَدَّق أم كذَّب، بل إنَّ مُقْتَضَى النُّصح أن