للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {شَهْوَةً} يَحتمِل أن تكون مصدرًا فِي موضع الحالِ، ويَحتمِل أن تكون مَفْعُولا لأجلِهِ؛ أي لأجلِ الشَّهْوةِ.

وعَلَى كُلِّ حَالٍ: ففيها إنكار من جهةِ أَنَّهُم يأتون الرِّجال شهوةً وليسوا أهلًا لها، ومن جهة أخرى أَنَّهُم يدَعون النِّسَاء، ولهَذَا قَالَ: {مِنْ دُونِ النِّسَاءِ}، وهنّ مَحلُّ الشَّهْوةِ، فيَكُونون قد أساءوا فيما فَعَلُوا وفيما ترَكُوا، ولهَذَا قَالَ لهم فِي آيَة أخرى: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: ١٦٦]، وهَذَا أبلغُ، يعني لو أن المسألة ضُيّقَتْ وما بَقِيَ إِلَّا هَذَا الطريق لكان أهونَ، لكِن هناك طُرُق محلَّلة مُباحة موافِقة للفِطْرة تَدَعُونها وتذهبون إِلَى هَذَا، كالذي يَدَعُ المذكَّاة ويأكل المَيْتَة، وكالذي يَدَعُ البيعَ الصَّحيحَ ويذهب إِلَى الربا، ويقول: إِنَّمَا البيعُ مثلُ الربا.

فالحاصل: أن القبائح تَزداد قبحًا إذا كَانَ لها بدائلُ مِنَ الحسناتِ، ولهَذَا قَالَ: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لو أنَّهُ اقتصرَ عَلَى هَذَا وقال: أئنكم لتَأتُون الرِّجال شهوةً بل أنتم قوم تجهلون، حصل التوبيخ واللوم.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: قُبْح فعل هَؤُلَاءِ، وهَذَا مَعَ الوجه الأول {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} يَكُون قَبُحَ من وجهٍ آخرَ، هُوَ أَنَّهُم يأتون الرّجال الَّذِينَ لَيْسَ لهم حقّ فِي إتيانهم وَيدَعُون النِّسَاءَ اللاتي خَلَقَهُنَّ اللهُ لذلك؛ لِقَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ}.

الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أنَّ هَذِهِ الشهوة إِنَّمَا تَصْدُرُ عن جهلٍ، لا بِمُقْتَضَى الطبيعةِ، وإنما هِيَ عن سَفَهٍ فِي الْإِنْسَان؛ لِقَوْلِهِ: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} كأنه قَالَ: إتيانكم إياهم شهوة لَيْسَ له محل، ولكِنَّ الَّذِي أوجب ذلك لكم أنكم قوم ذوو جهل، أي: سفه.

<<  <   >  >>