لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ذكرتم أن هَذِهِ الشهوة تَصْدُر عَن جهلٍ، لا بِمُقْتَضَى الطبيعةِ، أَلا يُشْكِل عَلَى هَذَا ما رُوي من حَذَرِ بعضِ الأئمَّة من مقاربةِ الصبَيَان أو المُردان خوفًا من أن يقعَ فِي أنفسهم شيءٌ؟
فالجواب: كما أنَّ الزّنَا قبيحٌ فِي الفِعْل، ومعَ ذلك قد تَدْعو النفسُ إليه، فلا يَمْنَع أن النفس الأمّارة بالسُّوء تدعو إِلَى ما يخالِف مقتضَى الطبيعة، ولهَذَا قَالَ بعض العُلَماء: إن اللُّواط لَيْسَ فِيهِ حدٌّ ولا عقوبة؛ لِأَنَّ النفسَ تَنْفِرُ منه بِمُقْتَضَى الطبيعةِ، فَهُوَ كشُرْب البولِ وأكلِ الغائطِ، ولكِن هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، الصَّحيحُ أن بعضَ النفوسِ السافلة قد تدعو إليه، فالزِّنَا محرَّم لِوَصْفِهِ، لا بِمُقْتَضَى الطبيعةِ؛ لِأَنَّهُ زنا، ولذلك لو تَزَوَّجها حلَّ له ذلك، أَمَّا هَذَا فَهُوَ محرَّم بمقتضى الشَّرِيعَة والطبيعةِ، حَتَّى النفس تَنْفِر منه، إِلَّا نفسًا مقلوبًا عليها أَمْرُها.
ولهَذَا قَالَ لهم:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} فهَذِهِ ليستْ شهوةً طبيعيّةً، وحقيقةً كيف أن الْإِنْسَان يذهب يَسْتَعْمِل هَذَا المَحَلّ الَّذِي هُوَ محَلّ الخبث والأنتان والأقذار، وربما يَعْلَق به شَيْء من ذلك، ويَدَع المَحَلَّ الطاهِرَ الَّذِي أباحَهُ الله له.
الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: بَيَان ما عليه هَؤُلَاءِ القوم منَ المَظْهَر الاجتماعيّ الفاسِدِ؛ لِأَنَّهُم إذا كانوا يأتون الرِّجال ما بَقِيَ منهم رجلٌ فِي الحقيقةِ، صاروا كلُّهم بمنزلة النِّسَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ إذا كَبِرَ الْإِنْسَان ارتفعَ عنْ أن يُفْعلَ له وصار فاعلًا، فهم فِي حالِ الشبابِ مَفْعُول بهم، وَفي حالِ الكِبَر فاعلونَ، ولهَذَا يُعْتَبر هَذَا الانحطاطُ الاجتماعيّ فِي البشرِ من أخسّ الانحطاطاتِ.