للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- واللهُ أَعْلَمُ- أنَّهُ إذا كَانَ قبلَ إسلامِهِم جاز له أَخْذُه، وإذا كَانَ بعدَه لم يجزْ.

ثم إنّ الظَّاهر أيضًا أن سُلَيْمَان لا يريد تَمَلُّكَ هَذَا العَرْش، وإنما يريد إظهار قوَّته أمامها، وَأَنَّهُ استطاع أن يأتيَ بِعَرْشِها قبل أن يَصِلُوا إليه، ولا يريد أن يَتَمَلَّكَه حَتَّى يَرد ما قَالَهُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، وذلك لمَّا قَالَ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ ... } [النمل: ٣٨، ٣٩].

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: جوازُ الخِطاب إِلَى المبهَم إذا كَانَ يَتَعَيَّن بَعْد ذلك، يعني يجوز الخطاب إِلَى المبهم حُكمًا أو خبرًا قبل أن يَتعيَّن الحكم، لِقَوْلِهِ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} ما قَالَ: ائتني يا فلان. وهَذَا النوعُ مِنَ الخِطاب تترتب عليه فوائدُ كثيرةٌ لا حُكميَّة وخَبِرَّية.

فمنها مثلًا يجوز أَنَّهُ يَقُول: زوَّجتك إحدى ابنتيّ هاتين، ثُمَّ يختار إحداهما، مثلما فعل صاحب مَدْيَن مَعَ موسى.

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يجوز أن يَقُول: بِعْتُكَ إحدى هاتينِ السِّلعتينِ بكذا فيختار إحداهما.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بعتك هَذَا بعشَرة نقدًا أو بعشرين نسيئةً، فيَختار أحد الثمنينِ، وليستْ هَذِهِ المسألةُ الأخيرةُ من بابِ بيعتينِ فِي بيعةٍ، خِلافًا لمَن زَعَمَ ذلك، فإن هَذِهِ بيعة واحدة؛ لأنهما لم يَتَفَرَّقا إِلَّا عَلَى إحدى البيعتينِ، وأيضًا بيعتانِ فِي بيعةٍ سبق أَنَّهُ جاء فيها نصٌّ صحيحٌ صريحٌ فِي سنن أبي دَاود يَقتضي أن بيعتينِ فِي بيعةٍ هِيَ مسألةُ العِينَة؛ لقولِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكسُهُمَا أَوِ الرِّبَا" (١)، وهَذَا صريحٌ أن


(١) سنن أبي داود، كتاب الإجارة، باب فيمن باع بيعتين في بيعة، حديث رقم (٣٤٦١)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>