لِقَوْلِهِ:{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، وَهُوَ نظيرُ قولِه تَعَالَى عن مَلِكَةِ سَبَأ:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل: ٢٣]، أي: ممَّا يَتمُّ به المُلْك، هَذَا إذا قَيَّدْنا من كُلّ شَيْء يتمُّ به المُلك، فـ {مِنْ} لبَيَان الجنسِ، وإذا قُلْنَا: إن {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} عامّ لكلِّ شيءٍ فإن {مِنْ} تكون للتبعيضِ؛ لأنهما ما أُعْطُوا كُلَّ شيءٍ، بل بعضَ كُلّ شيءٍ.
الفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ ما يعطيه الله تَعَالَى العبدَ منَ العلومِ والفهمِ فَهُوَ من فضلِهِ؛ لِقَوْلِهِ:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}، وقد قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)} [يونس: ٥٨].
إِذَنْ: تعلُّم اللُّغةِ غيرِ العربيَّة هُوَ فِي الحقيقةِ مِن نعمةِ اللهِ عَلَى العبدِ، لكِن إنِ استعملها مكانَ اللُّغةِ العَربِيَّةِ فَإِنَّهُ مُخْطِئٌ، وَكَانَ عمر يَضرِب عَلَى ذلك (١)، وإنِ استعملها لمصلحةٍ دِينيةٍ فهَذَا له أجرٌ فِي ذلكَ، كما لوِ استعملها فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الله وتَفهيم الخلقِ الَّذِينَ لا يَفهمون اللُّغةَ العَربِيَّةَ، فهي وسيلةٌ.
المهمُّ أَنَّهُ لَا شَكَّ أن الْإِنْسَان الَّذِي يتعلم لغة غيرِه فله ميزة عَلَى غيرِه فِي هَذَا، ولكِن كونه محمودًا أو غير محمودٍ يَرجِع إِلَى ما يَتَوَصَّلُ به بهَذِهِ اللُّغةِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قول سُلَيْمَان عَلَيْهَ السّلَام: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} هو آيَةٌ، وعليه فتعلُّم لغةِ الغيرِ لَيْسَ له ميزةٌ؟
قُلْنَا: هَذَا صحيحٌ، لكِن كونه يَتَمَدَّح أَنَّهُ عُلِّم هَذَا المَنْطِقَ هل هُوَ لأجلِ كونِه
(١) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (٢/ ١١٣٣، رقم ٢٢٢٩).