للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن العقوباتِ إِنَّمَا تأتي بأَسْبابِ المرءِ، حَيْثُ جعل هَذَا التدمير عاقبةَ مَكرِهم، وهَذَا يَدُلّ عليه أيضًا قوُل اللهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)} [الأعراف: ٩٦]، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فِي خصوصِ أهلِ الكتابِ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: ٦٥ - ٦٦]، من فوقهم منَ الثّمارِ الطويلةِ، ومن تحت أَرْجُلِهِم منَ الزُّرُوعِ الَّتِي تحتَ الْأَرْض.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن العقوبةَ تَعُمّ؛ لِقَوْلِهِ: {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} ولكِن كما قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى أَعْمَالهِمْ" (١)، فالعقوبةُ قد تعمُّ ولكِن يُبعَث النَّاس عَلَى أعمالهم، وهَذَا مشاهَدٌ، سواء كانت العقوبةُ منَ اللهِ، يعني من فعلِ اللهِ، أو من فعلِ العبادِ، فيُسَلِّط الله تَعَالَى بعضَ عبادِه عَلَى بعضٍ، فيدمّر هَذَا المتسلِّط عَلَى الصالحِ والطالحِ، ولكِن يُبعث النَّاس يومَ القيامةِ عَلَى أعمالهِم ونيّاتهم، أو ينزل الله تَعَالَى كارثةً من عنده كالفيضاناتِ والرياحِ وغيرها فتدمِّر الصالحَ والطالحَ، ويوم القيامة يُبعَثون عَلَى نيّاتهم.

وإنما كَانَ كذلك - والحِكْمَة عندَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى - لأجلِ أنْ يَستقيمَ النَّاسُ عَلَى أمرِ اللهِ؛ لأنّي أنا إذا علِمت أن المصيبةَ ستعمّ سأسعى فِي إزالةِ السيِّئة الموجِبة للعقوبةِ،


(١) رواه البخاري، كتاب الفتن، باب إذا أنزل الله بقوم عذابًا، حديث رقم (٦٦٩١)؛ ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، حديث رقم (٢٨٧٩)، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>