فإذا كَانَ هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ المُفَسِّر من هَذِهِ الآيَةِ بهَذَا الأَمْرِ؛ فإنَّ هَذِهِ الدابَّة يَكُونُ خُرُوجها بَعْد عيسى بنِ مَرْيَمَ؛ لِأَنَّهُ بَعْد ذلك يَقُول المُفَسِّر: إنَّهُ لا يؤمن كافرٌ ولا يُؤمَر بالمعروفِ ولا يُنهَى عنِ المُنكَر.
ولكِن موقفي فِي هَذَا أن أقولَ: اللهُ أَعْلَم؛ يعني أن هَذِهِ المسألةَ من مسائل الغيب الَّتِي يَتَوَقَّف الْإِنْسَان فيها إِلَّا عَلَى ما يفيده ظاهِرُ الْقُرْآن، فنَقُول: إيماننا بهَذَا أن نَقُولَ: إنَّهُ إذا وقعَ القَوْلُ عَلَى النَّاس باستحقاقِ العذابِ أخرجَ اللهُ لهم هَذِهِ الدابَّة الَّتِي تُكَلِّمهم ولا نزيد عَلَى هَذَا، ولا نَقُول: يَنقطِع الأَمْر بالمعروفِ والنهيُ عن المنكَر، ولا نَقُول: إنَّهُ لا يؤمن الكافر؛ لِأَنَّ ذلك أمرٌ يحتاجُ إِلَى توقيفٍ، كما أَوحَى الله إِلَى نوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود: ٣٦].
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: خُرُوج الدابَّةِ إذا وقعَ القَوْلُ عَلَى النَّاسِ، وذلكَ بأنْ كَفَروا وأَعْرَضوا عن دِينِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأخرج الله لهم هَذِهِ الدابَّةَ.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أنَّ هَذِهِ الدابَّة الَّتِي ذَكَرَ اللهُ مُبْهَمَة، فلا يُعْلَم صِفَتها ولا كيف تَخْرج ولا من أينَ تَخْرج، وما ذُكر من الآثارِ فِي ذلك فكلُّها ضعيفةٌ لا يُعَوَّل عليها، وحَسْبُنا أن نؤمنَ بما ذكرَ اللهُ تَعَالَى مُطلَقًا.
الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: بَيَان قُدرة الله عَزَّ وَجَلَّ، حَيْثُ كانتْ هَذِهِ الدابَّةُ تكلِّم النَّاس بكلامٍ يفهمونه، مَعَ أن الحيواناتِ تَتكلَّم بكلامٍ لا يَفهمه الإنسُ إِلَّا مَن عَلَّمه الله تَعَالَى مَنْطِقَها، كما فِي قِصَّة سُلَيمان.
الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: بَيَان حِكمة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الإنذار، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُنْذِر النَّاس بالآيَاتِ الكونيَّة إذا لم تُفِدْهُمُ الآيَاتُ الشَّرْعِيَّة، وهَذَا كثيرٌ، كالكسوفِ