للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِهِ الدابَّة آيَةً عَلَى أنّ العذاب قد قَرُبَ وُقُوعُه منهم، هَذَا غاية ما يُسْتَدَلُّ عليه من هَذِهِ الآيَةِ.

فإِذَنْ: يَكُون قوله: {أَنَّ النَّاسَ} أو {إِنَّ النَّاسَ} لَيْسَ من قول الدابّة عَلَى هَذَا التَّقْدير، بل هُوَ من قولِ اللهِ تعليلًا لِقَوْلِهِ: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً} يعني يُخْرِجها؛ لِأَنَّ النَّاس كانوا، وعليه فيَكُون مطابقة هَذَا التعليلُ للشرطِ فِي قوله: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} يَكُون مطابقته مطابقة السَّبَب للمسبّب، إذا كانوا لا يوقنون حينئذٍ وقع عليهم القَوْلُ وحينئذٍ أُخرجتِ الدابَّة.

قوله: {بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} المُراد بالآيَاتِ هنا الكونيَّة والشَّرْعِيَّة، لكِن الكونيَّة ألم يوقن بها الكفار؟ بلى، لَكِنَّهُ إيقانٌ لم يَنْفَعْهُمْ، والشَّيْءُ الَّذِي لا يَنْفَعُ يَصِحُّ أنْ يُنْفَى لعدمِ الانتفاعِ به.

قال: [وبِخُرُوجِها]، بخروج الدابَّة [يَنْقَطِع الأَمْرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكَرِ ولا يؤمن كافرٌ]، لِأَنَّهُ قد وقعَ عليهم القَوْلُ؛ وإذا صحَّ هَذَا التفسير فإنَّ معنى ذلك أن هَذِهِ الدابَّة من أشراط الساعةِ؛ لِأَنَّهُ لا يَكُون الأَمْر كذلك إِلَّا فِي آخِرِ الزمانِ بعدَ أن يَنزِلَ عيسى - صلى الله عليه وسلم - ويبقى فِي الْأَرْض سبعَ سنينَ، لا يَحْصُل بين اثنينِ عداوةٌ ولا شَحناءُ، ثُمَّ يُرْسِل الله رِيحًا باردةً من قِبَلِ الشامِ فتَقْبِض نفسَ كُلّ مُؤْمِنٍ (١) وَيبْقَى شِرارُ النَّاسِ، فِي خِفَّةِ الطيرِ وأحلامِ السِّبَاعِ (٢).


(١) رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، حديث رقم (٢٩٣٧)، عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه -.
(٢) رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ونزول عيسى وقتله إياه وذهاب أهل الخير والإيمان وبقاء شرار الناس ... ، حديث رقم (٢٩٤٠)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>