للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيًا: هَذِهِ الدابَّة مُبْهَمَةٌ من حَيْثُ المكانُ {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ} لكِن من أيّ مكان تُخْرَج؟

وَرَدَتْ أحاديثُ لَكِنَّها ضعيفةٌ أَنَّهَا تَخْرُجُ من مكَّة من أَجيادٍ أو منَ الصَّفَا أو من مكان آخرَ (١)، المهم أَنَّهَا تخرج من مَكَّة، ولَكِنَّهَا أحاديث ضعيفة لا يُعتمَد عليها فِي العقيدة.

ثم هل هِيَ تُخْرَج حقيقةً من الْأَرْض فتَنْشَقّ عنها الْأَرْض وتخرج، سواء من مكَّة أو غيرها، أو أن المُراد بالإخراج هنا إبرازها وإظهارها، وأنها دابة كغيرها من الدوابّ، ثُمَّ تَتبَيَّن بما يَحْصُلُ لها منَ النُّطق، وَيكُون هَذَا كقول الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ" (٢)؛ لِأَنَّ السباع فِي آخرِ الزمانِ تكلِّم الإنس؟

هَذَا أيضًا مَحَلُّ تَوَقُّفٍ، ولذلك هَذِهِ الدابة بمِرة لفظًا ومعنى، فنحن لا نَعْرِفها تمامًا؛ لِأَنَّهَا ما وُصِفَتْ فِي الْقُرْآنِ أو فِي السنَّة أوصافًا بحيثُ يَجْزِمُ الْإِنْسَان بها.

كذلك هَذِهِ الدابَّة هل هِيَ من جِنْسِ الدوابِّ أو أَنَّهَا دابَّة معيَّنة عَلَى شكل معيَّن؟

تكلَّموا فِي هَذَا كلامًا طويلًا، وكل ما ذَكَرُوا إِنَّمَا هُوَ مأخوذٌ عن بني إسرائيلَ، ولا يمكن أن يُصدَّق، غاية ما هنالك أَنَّهُ يحدَّثُ به ولا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب ولا يُعْتَمَد عليه فِي العقيدةِ؛ فذكروا عن آذانِها وذكروا عن عَينها وعن رِجلها أَشْيَاءَ غريبةً جدًّا.

المهم: أننا نُبْهِمُ ما أَبْهَمَهُ اللهُ، ولا نُعَيِّن ما لم يُعَيِّنْه الله ورسولُه، وحَسْبُنا أن نؤمنَ بأنه إذا وقعَ القَوْلُ عَلَى النَّاسِ فسوفَ يُخْرِجُ اللهُ لهم دابَّةً منَ الْأَرْض تُحَدِّثُهُم، وتكون


(١) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (٣٧٢٨٦)، الفتن لنعيم بن حماد (٢/ ٦٦١ - ٦٦٦).
(٢) رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في كلام السباع، حديث رقم (٢١٨١)، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>