للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً} يَعْنِي: فليست الدابَّة هِيَ الَّتِي تقول للناس: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}؛ لِأَنَّ هَذَا القَوْل لا يمكن أن تَنْطِقَ به الدابَّة؛ إذ إنَّهُ لا يَصِحُّ أن يَكُون إِلَّا منَ اللهِ. لهَذَا أنكر هَذَا القَوْلَ، مَعَ أنَّ ابنَ جَرير رَحِمَهُ اللَّهُ اختاره (١)، لَكِنَّهُ هُوَ عَلَى أنه مُخْتَصَر لابنِ جَريرٍ أنكرَ هَذَا، وقال: إنَّهَا تُكَلِّمُهُم بكلامٍ لم يُبَيَّن، وإن قوله: {أَنَّ النَّاسَ} أو {إِنَّ النَّاسَ} بالفتحِ أو بالكسرِ، الجملة تعليل لِقَوْلِهِ: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ}.

وقوله: {بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}، معنى {لَا يُوقِنُونَ} يَقُول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [لا يُؤْمِنُون بالْقُرْآن المشتمِل عَلَى البعثِ والحسابِ والعقابِ]، وتفسير الإيقان بالإِيمانِ فِيهِ قُصُورٌ لَكِنَّهُ تقريبيٌّ؛ لِأَنَّ الإيقانَ أبلغُ منَ الإِيمانِ وأخصُّ منه، فَهُوَ درجةٌ عاليةٌ أعلى منَ الإِيمانِ، ولهَذَا قولُكَ: أيقنتُ بكذا، أبلغُ من قولكَ: آمنتُ به.

وهَذِهِ الدابَّة أوَّلًا: نبحثُ فيها هل هِيَ الدابَّة الَّتِي تخرج فِي آخِرِ الزمانِ والَّتي ذكرها النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - من علاماتِ الساعةِ أو دابَّة أخرى؟

يرى بعض العُلَماء أَنَّهَا هِيَ الدابة الَّتِي تكون فِي آخِرِ الزمانِ، ويرى آخرونَ أَنَّهَا دابَّة أُخرى، ولهَذَا جاءت فِي الحديثِ مُعَرَّفَة وجاءت هنا منكَّرَةً، فيقال: دابة واللهُ أَعْلَمُ بها هل هِيَ الَّتِي تكون من أشراط الساعة أو أَنَّهَا دابة مستقلَّة؛ لأَنَّنا لو نَعلَمُ أن الحديث بَعْد هَذِهِ الآيَةِ لقُلْنَا: إن الدابَّة فِي الحديث للعهدِ الذِّهْنِيّ، يعني الدابَّة الَّتِي عَرَفْتُمُوهَا وتحَدَّث الله عنها، وحينَئذٍ تكون الدابَّة هنا هِيَ الدابة هناك، ولَكِنَّنَا لا نعلم، ولهَذَا التوقُّف أَولى؛ هل هِيَ هي أو غيرها.


(١) انظر: تفسير ابن جرير (٢٠/ ١٤ - ١٧).

<<  <   >  >>