للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} لا يستقيم أن يَكُونَ مِن كلامِ الدابَّة عن نفسها؛ إذ إنَّ الدابَّة لَيْسَ لها آيَات يَجِب الإيقان بها، وإنما الآياتُ الَّتي يَجِب الإيقانُ بها لله، ولهَذَا يَقُول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [عنّا {إِنَّ النَّاسَ} أي كفَّار مَكَّة، وَعَلَى قراءةِ فتحِ همزَةِ "أَنَّ" تُقَدَّر الباءُ بَعْد تكلمهم] (١)، أي تكلّمهم بهَذَا الكَلام {كَانُوا بِآيَاتِنَا}.

استفدنا من كلام المُفَسِّر (وَعَلَى قراءة فتح همزة أنَّ) أنَّ الأَصْلَ الَّذِي فسَّره بالكسر (تكلمهم إنَّ النَّاس) فيَكُون هَذَا مبتدأ الكَلام، وَعَلَى قراءة الفتحِ يَكُون عَلَى تقديرِ حرفِ الجرّ، أي: بأن النَّاس {كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ المُرادَ بالنَّاسِ كفَّار مكَّة، هَذَا فِيهِ نظرٌ ظاهرٌ؛ بل إنَّ المُرادَ بالنَّاس الموجودون فِي ذلك الوقت الَّذِينَ وقعَ عليهم القَوْلُ فَأُخرجت لهم الدابَّة تُنْذِرُهم.

وَأَمَّا كونه يقال: إن كفار مَكَّة لا يُوقِنُونَ فلا حاجةَ إِلَى إخبارها عنهم، فإخبار الْقُرْآن عنهم أوكَدُ من إخبارِ هَذِهِ الدابَّة عنهم، فكلام المُفَسِّر هنا فِيهِ نظرٌ ظاهرٌ، وَلَيْسَ بصوابٍ أبدًا، بل هُوَ خطأ، فهي تكلِّم النَّاس الَّذِينَ وَقَعَ عليهم القَوْلُ حين خُرُوجِها، تُحَذِّرُهُمْ أن النَّاس كانوا بآيَات اللهِ لا يوقنون، هَذَا ما مشى عليه المُفَسِّر وأكثرُ المفسِّرين عَلَى أن كلام هَذِهِ الدابة: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}، ولهَذَا احتاج إِلَى تقدير (عنّا).

لكِنَّ ابن كثير استبعدَ هَذَا القَوْل، وقال (٢): إنَّهَا تكلمهم وتُحدِّثُهم بحديثٍ مُسْتَقِلٍّ ما بُيّنَ فِي الْقُرْآن، ويَكُون قوله: {أَنَ النَّاسَ} أو {إِنَّ النَّاسَ} هَذَا تعليلًا لِقَوْلِهِ:


(١) الحجة في القراءات السبع (ص: ٢٧٥).
(٢) انظر: تفسير ابن كثير (٣/ ٣٧٥).

<<  <   >  >>