للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إذا قُلْنَا: إنَهَا متعلِّقة بـ {أَخْرَجْنَا} أو بـ {دَابَّةً} هل يَخْتَلِف المَعْنى؟

نعم، يختلف المَعْنى، إذا قَالَ: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً} يمكن أن ينزل مَلَكٌ فِي الْأَرْض، ثُمَّ يخرج مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ ما عُيِّن من أين تكون هَذِهِ الدابَّة، وَأَمَّا إذا قُلْنَا: {دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ} فتَتَعَيَّن أن تكون من دوابّ الْأَرْض.

وقوله: {تُكلَّمُهُم} يعني تكلِّم النَّاس، والكَلام هنا بمعنى الحديثِ، قَالَ المُفَسِّر: [أي: تكلِّم الموجودين حينَ خُروجها بالعربيَّة، ، يجوز أن تكون بالعربيّة أو بغيرها.

عَلَى كُلِّ حالٍ: هِي تُكَلِّمُ النَّاسَ بكلامٍ يَعرِفُونَهُ، فهَذَا هُوَ المتبادر من الكَلامِ، ويمكن أن يقال: إنَّهُم إذا لم يُوقِنوا بآياتِ اللهِ يُسَلِّط اللهُ عَليهم السِّباع تأكلهم وتجرحهم، لكِن هَذَا بعيدٌ، وما رأيتُ هَذَا من كلامِ السلفِ، كلُّه من كلام المتأخِّرين.

ويرى بعض المفسِّرين أن المُراد بالكَلامِ هنا الجَرْح، تُكَلِّمُهُمْ يعني تُجَرِّحُهُم، أي: تَخْمِشُهم بأظفارها، قَالُوا: لِأَنَّ الكَلْمَ يأتي بمعنى الجرْحِ؛ كقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَثْعَبُ دَمًا" (١).

ولكِنَّ هَذَا القَوْل لَيْسَ بصحيحٍ؛ لِأَنَّ الأَصْل فِي الكَلامِ هُوَ النُّطْقُ، ولا معنى لكونها تُجَرِّح النَّاسَ. لكِن بماذا تكلمهم؟

قَالَ: [مِن جملةِ كلامها عنَّا {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا}]، إِلَى آخرِه، قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [من جملة كلامها عَنَّا] أي أَنَّهَا تقول عن اللهِ، عَلَى لِسانِ الدابَّة؛ لِأَنَّ قوله: {إِنَّ النَّاسَ


(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ، حديث رقم (٢٦٤٩)؛ ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، حديث رقم (١٨٧٦)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>