الْفَائِدَة الثَّامِنَةُ: وفيه أيضًا التنزُّه فِي الحدائقِ والابتهاجُ بها؛ لِقَوْلِهِ:{حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} وأن الْإِنْسَان ما يُلام إذا قَالَ: نريد أن نتفرَّج عَلَى ما أخرجَ الله منَ المَطَرِ من هَذِهِ الحدائقِ والبساتين؛ فَإِنَّهُ لا يُلامُ عَلَى ذلك، لا يُقَال: هَذَا من فضول الأفعالِ؛ فإن النفس إذا لم تُمَّرنْ عَلَى هَذَا وهَذَا فإنها تَمَلُّ وتَكِلُّ ولا تأتي بالأُمُور عَلَى وجهها، والنَّاس أيضًا يختلفون فِي هَذَا؛ فمنهم من يَكُون من ضرورَّيات الحياة له أن يَتَنزَّه أحيانًا، ومنهم من لا يَهتمُّ بذلك، ومنهم من يجعل دَيْدَنَهُ دائمًا هُوَ التنزُّه واللَّهو واللَّعِب ويُعْرِض عمَّا خُلِقَ له بما خُلِقَ له.
فالحاصل أن نَقُول: إن قوله تَعَالَى: {ذَاتَ بَهْجَةٍ} فِي سياق الامتنانِ، يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لا مانعَ أن الْإِنْسَان يرتاد هَذِهِ الحدائقَ لأجل أن يَبْتَهِجَ بها، لكِن بشرطِ ألا تشغلَه عن ذكر الله وطاعتِه وعمَّا هُوَ أهمُّ من ذلك.
نعم، منَ الفضول، لكِن لا بأس أن يَشتغل بها، ولو ضيَّع الوقت فِي غير هَذَا قُلْنَا له: لا يَنبغي، لكِن لو أنني أُحبُّ هَذَا الشَّيْء وأبتهِجُ به وأُسَرّ وأُسَلِّي نفسي به؛ لا نَقُول: هَذَا من إضاعة الوقت ما لم يَشْغَلْ عن ذِكْرِ الله، وإذا أراد التفكُّر فِي آيَاتِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- صار عبادةً.
الْفَائِدَة التَّاسِعَةُ: أن الخلق لا يمكنهم أن يَخْلُقُوا ولا شجرة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} لِأَنَّ (ما كان) بمعنى لا يمكن ولا يَصِحّ، فَهُوَ منَ المستحيل، ونظيرُهُ قوله تَعَالَى:{مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ}[مريم: ٣٥]، فتجد الخلق مَعَ قُدْرَتِهم الصناعيَّة لا يمكن أن يَخْلُقُوا شجرةً، ولا شجرة صغيرة، وإلى الْآنَ وإلى