وقوله:{إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} هَذَا أيضًا فِيهِ بِشَارَة لموسى - صلى الله عليه وسلم - بأنه عند الله وَأَنَّه مِنَ المرسَلِين، ومعلوم أَنَّهُ إذا بُشَرَ بمثلِ هَذِهِ البشارةِ سوفَ يَزول عنه الخوفُ نهائيًّا، وسوف يحلّ مكان الخوفِ أَمْنٌ، ومكان الذُّعْر سرورٌ.
الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: حِكمة الله تَعَالَى فِي آيَاتِ الرسُل، وأنها تناسب العَصْرَ، لِقَوْلِهِ:{تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}؛ لأنّ هَذَا أشبه ما يَكُون بما تَطَوَّرَ تَطَوُّرًا بالغًا عندهم فِي ذلك الوقت وَهُوَ السحر، فلو أن أحدًا أتى بعصا أمامَكَ ووضعها فِي الْأَرْض ثُمَّ رأيتَها حيَّة فإنك تقول: هَذَا سِحر. فلذلك أُوتي موسى - صلى الله عليه وسلم - من الآيَات ما يَقضي عَلَى سِحرهم.
الْفَائِدَةُ الْثَّالِثَةُ: أنَّ مِنَ البلاغةِ الإيجاز بالحذفِ، ولا يُعَدُّ هَذَا قُصُورًا ولا تقصيرًا. قال:{فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} هنا يوجد بلَا شَكّ محَذوفٌ، {وَأَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ}؛ لِأَنَّهُ لو أُخذ الكَلامُ عَلَى ظاهرِهِ لكانَ المَعْنى: لمّا أُمِرَ بهَذَا اهتزَّتْ وهي فِي يدِه، وَلَيْسَ الأَمْرُ كذلكَ.
الْفَائِدَةُ الْرَّابِعَةُ: أن هَذِهِ العَصَا لم تكنْ مجرَّد حيوان يَتَحَرَّك، ولَكِنَّهَا أبلغُ من ذلك {كَأَنَّهَا جَانّ}، ومعلوم أنَّ الجانَّ بنفسِه مروِّع، فالحيَّة بنفسها مروِّعة، فإذا كانت من عَظيمِ الحيَّات صارتْ أشدَّ وأبلغَ.