وقوله:{يَامُوسَى} هَذِهِ فيها أيضًا إيجاز بالحذفِ، ونحن نَقُول باختصار: جميع القَصَص ولا سِيَّما القَصَص الطويلة غالبًا يَكُون فيها إيجازُ حذفٍ، وأحيانًا تكون جملةً وأحيانًا تكون جملًا، وسيأتينا إن شاء الله فِي القَصَصِ الَّتِي فِي السُّورَة الَّتِي تلي هَذِهِ شيءٌ كثيرٌ من هَذَا.
قال:{يَامُوسَى لَا تَخَفْ} وناداه باسمِهِ لِيُطَمْئِنَه، لِأَنَّ الْإِنْسَان الَّذِي يناديك وَهُوَ يَعْرِفك تَطْمَئِنّ إليه أكثر، لم يقلْ: يا هَذَا لا تَخَفْ أو يا مُوَلِّي لا تخفْ، بل قَالَ:{يَامُوسَى}؛ لأنَّهُ معلوم أن الَّذِي يَعرِفك تطمئنُّ إليه أكثر، مثال ذلك لو رأيتَ مَن ظَنَنْتَه عدوًّا ثُمَّ هربتَ منه فقال: يا فلان، يا فلان، فإنك تطمئنُّ؛ لأنك تقول: هَذَا يَعرفني، ما يَنالني بِسُوءٍ.
قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [{يَامُوسَى لَا تَخَفْ} منها]، والتقييد بـ (منها) الَّذِي أوجبَ للمؤلِّف أن يأتيَ به هُوَ ظاهرُ السياقِ؛ لِأَنَّ الظَّاهرَ أنَّ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا هَرَبَ منها، فقال:{لَا تَخَفْ}.
قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [{إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ} عندي {الْمُرْسَلُونَ} من حيَّة وغيرها]، معلوم أن الَّذِي بِحَضْرَةِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يُمكِن أن يخافَ من شيءٍ؛ لِأَنَّهُ فِي كَنَفِ الله تَعَالَى وَفِي جِوَارِه، فلا يمكن أن يخافَ وَهُوَ عندَ اللهِ.
(١) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حَيْثُ كان، حديث رقم (٣٩٢)؛ ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، حديث رقم (٥٧٢)، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -.