المحذوفة، أي: تذكرون تذكرًا قليلًا. و (ما) مصدريّة، وإذا كانت مصدريَّة فما بعدها يُؤَوَّل بمصدرٍ، وَيكُون التَّقْدير: قليلًا تَذَكُّرُكُم، ولا يَصِحُّ أن تكونَ (ما) نافيةً؛ لِأَنَّهُ من المعروفِ أنَّ (ما) النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وربما يفسد المَعْنى؛ لِأَنَّهُ لو كَانَ المَعْنى: ما تذكرون قليلًا يَكُون تذكرهم كثيرًا، فلا يَصْلُحُ، وإن كَانَ قد يقال: إذا نُفِيَ تَذَكُّرُهُمُ القليلُ فالكثيرُ من باب أَولى، لكِن الأَصْل فِي الإعرابِ أن نجعلَ (تذكرون) فاعلًا لـ (قليلًا).
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{تَذَكَّرُونَ} تَتَّعِظون، بالفوقانية والتحتانية]، الفوقانية:{تَذَكَّرُونَ}، والتحتانية:"يَذَّكَّرُونَ"[وفيه إدغام التاء فِي الذال]، فيَكُون فِي الآيَةِ ثلاث قِراءاتٍ:"تَذَكَّرُونَ * تَذَّكَّرُونَ * يَذَّكَّرُونَ"(١)، والمُفَسِّر ما ذكر (تَذَكَّرُونَ) بالتخفيف.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [و (ما) زائدة لتقليل القليل]، يعني كأن المُفَسِّر يَقُول:(ما) زائدة، وَيكُون التَّقْدير: وقليلًا تذكرون، وهَذَا وجهٌ أيضًا فِي الإعرابِ، فالْوُجُوهُ ثلاثةٌ: الأَصْل أن تجعل (ما) نافيةً، وما ذكره المُفَسِّر وما ذكرناه متقاربانِ، أنْ تجعلَ: قليلًا تَذَكُّرُكُمْ أو قليلًا تذكرونَ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يجيبُ دَعْوَةَ المضطرّ؛ لِقَوْلِهِ:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}، وهَذَا دليلٌ عَلَى أن رحمة اللهِ سبقتْ غَضَبَهُ، وَأَنَّهُ من كمالِ رحمتِهِ إذا عَلِمَ بهَذَا المضطرّ أزالَ ضَرُورَتَهُ عَلَى أيِّ حالٍ.