الوجهُ الثاني، أي: الَّذِينَ يَخْلُفُونها من بَعْد أهلها بفتحها بالإِسْلامِ، وهَذَا وإنْ كَانَ يدخل فِي ذلك كما قَالَ موسى لقومِه، ولكِن فِي هَذَا المقام لا يستقيمُ؛ لِأَنَّ الخطاب لعمومِ النَّاسِ، فخلفاء الْأَرْض يعني يخلُف بعضهم بعضًا، وهَذَا يتضمَّن أمرينِ؛ إحياء وإماتة، إحياء الخالقينَ وإماتة المخلوقينَ، والَّذِي يجعل هَذَا هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهَذِهِ الأفعال لا نستطيع أن نفعلها لا بالإحياءِ ولا بالإماتةِ.
وهنا تنبيهٌ؛ وَهُوَ أنَّنا إذا قُلْنَا للحاكمِ: إنَّهُ خليفةُ اللهِ فغير هَذِهِ الآيَة وغير هَذِهِ المسألةِ، فالخليفةُ هنا يعني يَخْلُفُ بعضُهم بعضًا، لكِنْ إذا قُلْنَا: الإمام خَلِيفة الله فِي الْأَرْضِ فمعناه أَنَّهُ يُنَفِّذ أمرَ اللهِ تَعَالَى فِي أرضِهِ، فلكلِّ مَقامٍ مقالٌ، فيَصِحُّ أنْ نَقُولَ للإمامِ: خليفةُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى:{يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}[ص: ٢٦]، يعني: عَنَّا.
وقوله:{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} الإضافة بمعنى (في). والإضافة تأتي بمعنى (في) وتأتي بمعنى (اللام) وبمعنى (مِن) وأكثر ما تكون الإضافة بمعنى اللامِ، وتأتي الإضافةُ بمعنى (مِن) إذا كَانَ الأوَّل نوعًا منَ الثاني، مثل:(خاتَمُ حَديدٍ)، الحديدُ جِنسٌ وخاتَم نَوْعٌ، (ثوبُ خَزٍّ) يعني ثوبًا مِن خَزٍّ، وتأتي بمعنى (في) إذا كَانَ الثاني طرفًا للأوَّل؛ كما قَالَ الله تَعَالَى:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[سبأ: ٣٣]، بل مكرٌ في الليلِ ومكرٌ فِي النَّهارِ، وهنا {خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} فالْأَرْض ظرف مكان أي: خلفاء فِي الْأَرْض، ومكر الليل ظرف زمان، وكل التَّقْديرات الَّتِي لا يَصِحُّ فيها تقدير (من) ولا (في) فهي بمعنى اللامِ، مثل:{مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[البقرة: ١٠٧].
قوله:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}؟ الجواب: لا.
قوله:{قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}: {قَلِيلًا} مَفْعُول مُطْلَق لـ (تَذَكَّرون)