وفي قوله تَعَالَى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} هل نَقُول: هَذَا مقيَّد بما إذا دعاه، يَعْنِي: أنَّ الله جَلَّ وَعَلَا لا يزيل الضَّرورَةَ إِلَّا عند الدعاءِ؟
الجواب: لا، لكِن لِأَنَّ الكَلامَ فِي الإجابةِ، ولا إجابة إِلَّا بعدَ دعاءٍ، ولهَذَا إزالةً للتوهُّم قَالَ:{وَيَكْشِفُ السُّوءَ} وهَذَا عامٌّ، أي: كشف السوء عامٌّ فيمَن دعا الله أنْ يكشِفَه ومَن لم يَدْعُهْ، فالله تَعَالَى يجيبُ المضطرَّ إذا دعاه، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَكشِف السوءَ، ولهَذَا قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[عنه وعن غيرِهِ]، عنه: أي عنِ المضطرّ الَّذِي دعا، وعن غيرِه. ومعنى يَكشِف السُّوءَ: يُزِيله، مِن كَشَفَ الغطاءَ إذا أزال الحاجبَ.
وقوله:{السُّوءَ} يَشمل السوءَ الحِسِّيَّ والمعنويَّ، السوء الحسي ظاهر كالمرض والفقرِ وما أشبههما، والسوء المعنويّ كالجهلِ والخبثِ ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وهَذَا السوءُ أعظمُ منَ النوعِ الأوَّلِ أيضًا، وَهُوَ شاملٌ للأمرِ، والدَّلِيل عَلَى أن السوء المعنوي داخل فِيهِ قولُ الله تَعَالَى:{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ}، فالتكذيبُ مِن السوءِ، بل هُوَ أسوأُ السوءِ والعياذُ بالله، وكشفُ السوءِ شاملٌ لهَذَا وهَذَا، وإن كَانَ بعضُ النَّاس قد يتبادرُ إِلَى ذِهنه أن المُرادَ به السوء الحسيّ، ولكِن الأَمْر أعمّ من ذلك.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} الإضافة بمعنى (فِي)، أي يَخْلُفُ كُلّ قرنٍ القرنَ الَّذِي قَبْلَه]، أي: خلفاء فِي الْأَرْض. وتقدير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ الإضافةَ بمعنى (في) صحيحٌ، يَدُلّ عليه قولُه تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}[الأنعام: ١٦٥]، فقوله:{خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} يَعْنِي: يخلف بعضكم بعضًا، أو أن المَعْنى: ميراث الْأَرْض بفتحها بالإِسْلام؛ لِأَنَّهُ لا أحدَ يفعلُ ذلك إِلَّا الله، لكِن لمّا كَانَ هَذَا الخطاب عامًّا لجميعِ النَّاسِ لا يَستقيم