الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: مَنعْ استنصار الخصمِ؛ لِأَنَّ الخصمَ إذا ما طُلب منه الدَّلِيل وقلتَ: أبدًا لا نَقْبَل منك سواءً أتيتَ بدليلٍ أو لا لم تأتِ بدليلٍ، فحينئذٍ يَستنصِر ويقول: الْآنَ غلبتُه.
وأما المعانِد ففيه تفصيلٌ؛ فإذا كَانَ ذلك من إهانتِه وعدمِ تأثيرِ شُبهته، فالأَولى تركُ الردّ، وَأَمَّا إذا كَانَ ذلك سببًا لاستنصارِهِ أو سببًا لقوّة تشبيهه فيجب أن يُرَدَّ عليه، فلكلِّ مقام مقالٌ، وإذا عاند فإذا كَانَ لك قوَّة فأَمْسَكْتَه بالحديد والنَّار، وإن لم يكنْ لك قوة فلِلْبَيْتِ رَبٌّ يَحْمِيهِ.
ولْيُعْلَمْ أن المِراءَ الَّذِي هُوَ لمجرَّد المغالبة مَنْهِيٌّ عنه، وَأَمَّا الجدالُ فقد أمر الله به؛ فالجدالُ لإثباتِ الحَقّ وإبطال الباطلِ مأمورٌ به وجوبًا أو استحبابًا حسَب الحالِ، فالمُرادُ المِراء الَّذِي هُوَ لمجرَّد المعاندةِ؛ لِأَنَّ بعض النَّاس الآنَ تجده فِي المجلِسِ يختلف مَعَ آخرَ فِي مسألةٍ من المسائلِ ليست مسألة دينيَّة يَجِب تحقيقها، بل مسألة عامَّة، وتجدهم يتعاندون: أنا أقول كذا وأنت تقول كذا، أنا عليَّ حق وأنت عليك حق، فهَذَا لَيْسَ له داعٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لا يزيد الأَمْر إِلَّا شدَّةً، وربما يتحزَّب الحاضرون إِلَى حزبينِ، وربما يحدث فِي قلبِ أحدهما عَلَى الآخرِ حِقد وعداوة، فلهَذَا كَانَ من الأحسنِ تركُه.