للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالاسْتِفْهامُ إذن إنكاريٌّ للنفي، يعني لَيْسَ مَعَ الله إلهٌ فَعَلَ ذلك، فالمعبودات الَّتِي تعبدونها مَعَ اللهِ لم تفعلْ ذلك.

إِذَنِ: الواجب إفراد اللهِ تَعَالَى بالألوهيَّة، فعليه تكون الحُجَّة قد قامتْ عَلَى هَؤُلَاءِ بما أقرُّوا به من الرُّبُوبِيَّة، وكثيرًا ما يَسْتَدِلّ الله تَعَالَى بتوحيد الرُّبُوبِيَّة عَلَى وجودِ توحيد الألوهيّة: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: ٢١]، {اعْبُدُوا} توحيد أُلوهيَّة {رَبَّكُمُ} هَذَا رُبُوبِيَّة.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} يُشْرِكون باللهِ غيرَه]، {بَلْ} هَذِهِ للإضرابِ الانتقاليّ، لا الإبطاليّ، يعني بل هم مُقِرُّونَ بذلك، وَأَنَّهُ لا إله مَعَ الله، ولكِنّهم يَعْدِلون به غيرَه فيشركون، فصار فعلهم هَذَا لَيْسَ عن دليل ولكِن لمجرَّد هوى، وإن كانوا يُقِرُّون بأن الله تَعَالَى لا شريكَ له فِي خلق السَّماوَات والْأَرْضِ وإنزال المطرِ وإنباتِ النباتِ به، وإنما يعدِلون بالله غيرَه فيشركونه مَعَ اللهِ لمجرَّد أهوائهم، أَمَّا أنَّهُ عن دليلٍ عقليّ أو فِطريّ أو نقليّ فليسَ كذلك.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله: {يَعْدِلُونَ} ألا تَحتمِل أَنَّهُم يَعدِلون عن عبادةِ اللهِ؟

الجواب: تَحتملُ، لكِن ما قَرَّرَهُ المُفَسِّر أحسنُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: ١]، ولم يقلْ: عن ربِّهِم يعدِلون، فدلَّ هَذَا عَلَى أنَّ المُراد بالمعادلةِ هنا المساواةُ، أي: يساوون به غيرَه.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: بَيَان انفرادِ اللهِ تَعَالَى فِي خلق السَّماوَات والْأَرْض؛ لِقَوْلِهِ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} خلق السَّماوَات والْأَرْض، يَتَضَمَّن إيجادهما وإيجاد ما فيهما منَ المنافع،

<<  <   >  >>