لا يَكُون إِلَّا حَيْثُ يَكُون ذلك الكرمُ من مصلحةِ الكافرِ بها، وإلَّا ما ظهر آثار الكرمِ، بل ظهر آثار الحِكْمَةِ، لو قَالَ: حكيم صار هَذَا يشمل من تدرّج الله به حَتَّى أهلكه، لكِن كريم: ما يَتمّ الكرم للكافر بالنعمة إِلَّا حَيْثُ كَانَ إبقاء النعمة عليه مصلحةً له لأجلِ أن يعودَ.
الأخير بلَا شَكّ، ولا سواء؛ لِأَنَّ الَّذِي عنده علم منَ الكتابِ عالمٌ ولا وسيلة له إِلَّا بالدعاءِ، والظَّاهر أَنَّهُ رجل وَلَيْسَ من الجنّ؛ لِأَنَّ قوله:{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} مفصولة عن قوله: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ}، والأَصْل أن الكَلام مَعَ الإنس، ولأن كُلّ قائل لَيْسَ من البشرِ لَا بُدَّ أن ينوّه عنه؛ لِأَنَّ الأَصْل أن البشرَ هم الَّذِينَ يتخاطبون، وهم الَّذِينَ يتفاهمون، فإذا كَانَ من غيرهم نوّه عنه مثلما نوّه عن الجنِّ.
الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: كمالُ قُدرة الله عَز وجلَّ؛ لِأَنَّ كون هَذَا العَرْش العظيم يأتي من اليَمَنِ إِلَى الشامِ فِي لحظة، لَا شَكَّ أَنَّهُ من تمامِ قُدرة الله الَّتِي لا يتصوّر الْإنْسَان كيف تكون، الْآنَ هل يمكن أن نتصوّر كيف يجيء بهَذَا العَرْش مِنَ اليمن إِلَى الشام قبل أن يرتدّ للإِنْسَان طرْفه، لو كَانَ يطير طيرانًا أشدّ من الدُّخَان ما يتصور أَنَّهُ يأتي بهَذِهِ السرعةِ، ولا نتصور أن الْأَرْض طويت طيًّا حَتَّى التقى هَذَا بهَذَا أيضًا، فقُدْرَةُ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يُمْكِن للإِنْسَانِ أنْ يَتَصَوَّرَهَا، فتأتي فوق التصوّر، وهَكَذَا جميعُ صفاتِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ}[الصافات: ١٩]، بقوله:(كُنْ) فيصير جميع الخلائق كلهم عَلَى ظهر الْأَرْض، مَن يتصور هَذَا؟ ! لا تستطيع أن