إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ قَالَ لأبيه:{إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ}[مريم: ٤٣]، ما قَالَ: أنت جاهل ولا تدري ولا تعرِف {إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}[مريم: ٤٣]، وهَذَا فضل الله يُؤْتِيهِ مَن يشاء، وبعضُ النَّاسِ يَهَبُه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قُدْرَةً عَلَى التعبيرِ حَتَّى إن العبارات تكون بيدِه كالعجينِ، يُلان له القَوْل فِي كُلّ ما يريد، فتجده يستطيع حَتَّى لو أراد أن يُخْرِجَ لسانه كلمة لا يريدها بسرعة يجد بدلها، وبعض النَّاس لا يستطيع، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يَهَبُ فَضْلَهُ مَن يشاءُ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عن شُكْرِهِ {كَرِيمٌ} بالإفضالِ عَلَى مَن يَكْفُرُها]، يعني مَن كفر {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ}: غنيٌّ عن شُكْرِه صَحِيح، أو غني مُطلقًا، ومن جملة ما هُوَ غنيٌّ عنه شُكْرُ هَذَا الْإِنْسَانِ عَلَى نعمةِ اللهِ، فإن الله تَعَالَى ما أنعمَ عَلَى العبادِ لحاجتِهِ إِلَى أن يَشْكُرُوهُ، بل لِفَضْلِهِ عليهم وظهورِ آثارِ أوصافه، وظهور صفاته العظيمة ما يَكُون إِلَّا بأفعالِه الَّتِي من جُمْلتها النعم أو النِّقم أيضًا، لِتَظْهَرَ بذلكَ صفاتُ الانتقامِ والغضبِ.
وقد يُبْقِي الله تَعَالَى النعمَ مَعَ الكفرِ تَرْبِيَةً، بحَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَان يفتحُ الله عليه التأمُّل فيخجل من الله عَز وَجلَّ أن يَكُون هُوَ يبادرُ الله تَعَالَى بالمَعاصِي، والله تبارَكَ وَتَعَالَى يُدِرُّ عليه النعمَ، فيَرْتَدِع، وهَذَا هُوَ ظاهر قوله:{كَرِيمٌ}، لِأَنَّ الكرم فِي مقابل الكفر