وإذا قلت: أنت لم تشكرْ تمامَ الشكرِ أو حقَّ الشكرِ أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وجدت أَنَّهُ أهون، والأساليب تؤثِّر.
يقال: إن مَلِكًا منَ الملوكِ رأى رؤيا فأَفْزَعَتْهُ؛ فقال: عليَّ بالعابرينَ. فأحضروا له العابرينَ، فقال لهم: إني رأيتُ أنَّ أسناني قد سَقَطَتْ، فما ترونَ؟ فقام كَبيرُهم فقال: أرى أنَّ أَهْلَكَ سَيَمُوتون. فانزعجَ الملِكُ؛ فقال: أَوْجِعُوه ضربًا. فأوجعوه ضربًا، فقال: اتركوه، ثُمَّ دعا بمعبِّرين آخرينَ وقال لهم: إني رأيتُ أنَّ أسناني قد سقطتْ. فقام كبيرهم وقال: الملِكُ أطول أهلِهِ عُمُرًا. ففَرِح. مَعَ أن المَعْنى واحد؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إذا ماتوا صار هُوَ أطولهَم عمرًا.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قول سُلَيمان - صلى الله عليه وسلم -: {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} هل يجوز للإِنْسَان العاديّ أن يَقُول ذلك؟
فالجواب: يجوز للإِنْسَان العادي أن يَقُول: إن الله ما أعطاني هَذَا الشَّيْء إِلَّا لأجلِ أنْ أشكرَ أو أكفرَ، فالْإِنْسَان العادي يجوز أن يَقُول هَذَا؛ لأنَّنا لو قُلْنَا بغير هَذَا صار هَذَا خاصًّا بمثل مقامِ سُلَيمان وَلَيْسَ كذلكَ.
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: فضل الله عَلَى العِبَادِ مِن أَجْلِ ظُهُورِ أثَرِ نعمتِه عَلَى العبادِ، فما وجه قولهم:"وهو الخالق وإن لم يوجدِ المخلوقُ"؟
فالجواب: قَصْدُهم أن الله جَلَّ وَعَلَا خالقٌ بمعنى أن هَذِهِ الصِّفة صفة له قبل أن يوجدَ المخلوقُ، كما أن الله تَعَالَى متَّصِف بالكَلام مَعَ أَنَّهُ يتكلم بمشيئته، فَهُوَ متَّصف بالخلق مَعَ أَنَّهُ يخلق بمشيئته.
فالحاصل: أن التعبير له دخل فِي قبول الحَقّ والنفور منه، وقد تقدمت قِصَّة