للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسيأتي - إن شاء الله - بَيَان الفائدةِ فِي هَذَا أن بعض النَّاس إذا ضاق ذَرعًا بالدُّعاة المصلِحين يَقُول لهم: اخْرُجُوا، هَذِهِ لَيْسَت بِلادكم، أو لا تتكلَّمْ فِي هَذَا المَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مسجدكَ، أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

قوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} هَذِهِ الجملةُ تعليل لمِا سَبَقَها مِن حُكْمٍ وَهُوَ الأَمْرُ بالإخراجِ، (أخرجوهم) لماذا؟ (لأنهم أناس يَتَطَهَّرُون)، قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [من أدبار الرِّجال]، فجعلوا عِلَّة العقوبة ما هُوَ من أَسْبابِ رفعِ العقوبةِ؛ فإن التطهُّرَ عن هَذَا حَسَنٌ يَقتضي المدحَ والثَّناء الجميلَ عَلَى مَن تطهَّر منه، وهَؤُلَاءِ جعلوه بالعكس، لِأَنَّهُم - والعياذ بالله - إمَّا زائغونَ يَعرِفون الحَقّ ولم يَعْمَلُوا به، وَإمَّا ضالُّون أُضِلُّوا عن الحقّ وعَمِيَ عليهم، نسأل الله العافية. والغالبُ أَنَّهُم زائغونَ؛ لِأَنَّ هَذَا معروفٌ لدى البشرِ أنَّ الطبيعةَ تَنْفِر منه ولا أحدَ يَقْبَلُه.

وقوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} هل هم أرادوا الحقيقةَ وأن هَذَا الفِعْل خبيثٌ وهَؤُلَاءِ يريدون التطهُّر منه، أو أرادوا: يتطهّرون بِزَعْمِهِم، وأن هَذَا الفِعْل لَيْسَ نَجَسًا لكِن هَؤُلَاءِ يريدون أن يتطهروا منه؟

الأقرب الأخير؛ لِأَنَّهُ هُوَ مُقْتَضَى حالهِم، فمقُتضَى حالهم أَنَّهُم رأوا هَذَا المنكرَ معروفًا وهَذِهِ الفاحشةَ يسيرةً فتمسكوا بها.

وقوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}: {أُنَاسٌ} نكِرة، والمنكّر غيرُ معروفٍ، وكل هَذَا لقصدِ التباعُدِ منه، والإغراء بإخراجِهم.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: بَيَان عُتُوِّ المكذِّبين لِلُوطٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأنهم لم يَقتصِروا عَلَى ردِّ دعوتِهِ، بل اتَّفقوا عَلَى أن يخرجوه من البلد.

<<  <   >  >>