الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: فَضيلة مكَّة من وجهينِ: من إضافةِ الرُّبُوبِيَّة إليها {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} ومن كونه تَعَالَى حَرَّمَها {الَّذِي حَرَّمَهَا} ففيه فضيلةُ مكَّة عَلَى سائرِ البلادِ، ولها فضائلُ كثيرةٌ، فلو لم يكن مِنْهَا إِلَّا أنَّ قَصْدها للعبادة من أركانِ الإِسْلامِ لَكَفَى؛ فالحجُّ رُكْن من أركانِ الإِسْلامِ، فليس هناك بلد فِي العالم يَكُونُ القَصْد إليه فرضًا أبدًا ولا سنَّة إِلَّا مَكَّة والمَدينَة والمسجد الأقصى.
الْفَائِدَة الخَامِسَةُ: أن الَّذِي حرَّم مَكَّة هُوَ الله؛ لِقَوْلِهِ:{الَّذِي حَرَّمَهَا}.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: ألا يعارض ذلك ما ثبتَ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-من قوله:"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ"(١)؟
قُلْنَا: لا؛ لِأَنَّ معنى قوله:"حَرَّمَ مَكَّةَ"؛ أي: أَظهرَ تَحريمَها وأبانها، وإلا فالذي حَرَّمَها هُوَ اللهُ، ولهذَا نَقُول مثلًا: إنَّ الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم- حرم الميتة والخمر والخنزيرَ، يعني أظهر تحريمها وأبانه، وإنْ كَانَ الَّذِي حرَّمها هُوَ الله، فالمهم أنه لا منافاة بين قولِه تَعَالَى:{الَّذِي حَرَّمَهَا} وقول الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ" والجمعُ بسيطٌ وواضحٌ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل المَدينَة حرمها الله عَزَّ وَجلَّ؟
(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- ومدهم، حديث رقم (٢٠٢٣)؛ ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها، حديث رقم (١٣٦٠)، عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-.