للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من ناقتنا الفلانيّة. يَقُول الرجل: لم أجعلْ هَذِهِ الكلمة عَلَى بالي إطلاقًا. يَقُول: شرِبتُ القهوةَ وخرجتُ، وبمجرّد أن خرجتُ لم أهتدِ للطريقِ، وبدأت أبحث ولم أدرِ إِلَّا وقد رجعتُ إِلَى الخلا إِلَى آخِرِ الليلِ، ولما تعِبتُ ومَلَلْتُ وجدتُ خِبَاءً وأهله عنده، فقلت لهم: أين الطريق؟ قَالُوا: بجوارِكَ، لَيْسَ بينك وبينه إِلَّا شَيْء يسير. المهم أَنَّهُ بقِيَ إِلَى طلوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ لما كَانَ النَّهارُ عاد بالليلِ، ولما جاء سقط مَريضًا. والكَلام عَلَى أن هَذَا الرجل يهتدي، ومع ذلك ضلَّ الطريق، فلا تقلْ: إني والله عارِفٌ، فهداية اللهِ للطريقِ هَذِهِ من نعمةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى العبادِ، سواء فِي البرّ أو فِي البحر.

الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: بَيَان آيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الرياحِ؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ}.

الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: أن هَذِهِ الرياح مُسَخَّرةٌ مدبَّرة، وليست هِيَ الَّتِي تَهُبُّ بطبيعتها؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ}.

الْفَائِدَة الخَامِسَةُ: أن الشَّيْء الواحد قد يَكُون خيرًا وقد يَكُون شرًّا، بِحَسَبِ آثارِه ونتائجه، فالرياحُ هنا يَقُول: {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} وَعَلَى عادٍ ونحوِهِم عذابٌ {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: ٤١]، والكلُّ مِن فِعْلِه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، هنا {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} [النمل: ٦٣]، وهناك {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} [الذاريات: ٤١]، فالكلُّ من فِعْلِه.

وحينئذٍ يَرِدُ علينا إشكالٌ: هل الله تَعَالَى يفعل السُّوءَ؟

السوءُ فِي المَفْعُول، وَأَمَّا بالنِّسْبَة لفعلِ اللهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بسوءٍ؛ لِأَنَّهُ صادرٌ عن حكمةٍ، وقد تقدَّم فِي أوَّل الآيَات أن انتقامَ اللهِ تَعَالَى من المجرمينَ هُوَ نعمةٌ وكمالٌ يُحْمَد عليه، لمّا ذكر عقوبةَ قوم لوطٍ، قال: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: ٥٩].

<<  <   >  >>