للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"مَا رَآهُ المُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ قَبِيحٌ" (١).

وربما يشهد لهَذَا قولُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ" (٢) لكِن الْإِنْسَان الَّذِي صَفَتْ سَريرته وخَلصتْ نِيَّته هَذَا لا يَطْمَئِنّ للإثمِ أبدًا، أَمَّا الْإِنْسَان الفاسقُ فالفاسق كما نعرِف أن الزبال لا تُهِمُّهُ الزبالةُ، لكِن العطَّار إذا جلسَ عند الزبالةِ فلا يمكن أن يجلس، فربما أن العقلَ يَستحسِن الزبالةَ إذا كَانَتْ طريقًا للكسبِ، لكِن نفسيَّة الْإِنْسَان لا تَرتاح لها؛ لِأَنَّ رائحتها مُؤْذِيَة، فالنَّاس الْآنَ وقبلَ الْآنَ قد يَسْتَقْبِحُونَ الحَسَنَ ويستحسنون القبيحَ.

فالحاصل: أن الْإِنْسَان الَّذِي صَفَتْ سَريرته وخلصت نيّته وعلِم اللهُ منه حُسْنَ القصدِ يُوَفَّق، وتَجِدُه إذا عمِل السيئةَ ولو أَنَّهُ لا يدري أَنَّهَا سيئة لا تطيب نفسُه ولا تستقرّ، ولهَذَا قَالَ الرَّسُول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "الْبرُّ مَا اطْمَأَنتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَترَدَّدَ فِي الصَّدْرِ" (٣) لكِن هَذَا لا نخاطب به كُلّ النَّاسِ، بل صاحب القلب الصافي والإِيمان الخالِصِ، أَمَّا النَّاس المنهمِكون فِي المعصيَة فلا يخاطَبُون بمثله.

الْفَائِدَة الْعَاشِرَةُ: أن الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مأمورٌ بأن يَكُونَ من المُسلِمينَ؛ لِقَوْلِهِ: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.


(١) رواه موقوفًا الطيالسي (٢٤٦)؛ والطبراني في الأوسط (٣٦٠٢)، والحاكم في المستدرك (٣/ ٨٣). وانظر: المقاصد الحسنة (٩٥٩)؛ نصب الراية (٤/ ١٣٣)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ١٨٧).
(٢) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم، حديث رقم (٢٥٥٣)، عن النواس بن سمعان الأنصاري -رضي الله عنه-.
(٣) رواه أحمد (٤/ ٢٢٨) (١٨٠٣٠)، عن وابصة بن معبد -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>