لمَّا عَزَمُوا عَلَى إخراجِهِ أَمَرَهُ الله تَعَالَى أن يخرجَ بأمرِ اللهِ، فإن الملائكةَ أتتْ إليه وأمرتْه أن يسريَ بأهلِهِ إِلَّا امرأتَه كانت من الغابرينَ، فسرى بأمرِ اللهِ، ولما بعُد عن القريةِ أهلكَ الله تَعَالَى أهلَ القريةِ صَباحًا، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}[هود: ٨١]، فأرسلَ اللهُ عليهم حجارةً من سِجِّيل، فجعل عاليَها سافِلَها، ولهَذَا قَالَ:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} والاستثناءُ مُتَّصِل.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} وَفِي هَذَا دليلٌ عَلَى أن المَرْأَة من الأهل؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان يَأهلُها وَيأوِي إليها، وكذلك هِيَ بالنِّسْبَة إليه، فالزوجةُ من أهلِ الْإِنْسَانِ كما أن أقاربَه من أولادِهِ وآبائِهِ هم أيضًا منَ الأهلِ.
قوله:{قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} أي: كَتَبْنَا عليها وقدَّرنا عليها، ولهَذَا قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [جعلناها بتقديرنا {مِنَ الْغَابِرِينَ} الباقين فِي العذاب]، و (الغابر) بمعنى: الباقي، فالمَعْنى أَنَّهَا بَقِيَتْ ولم يَسْرِ بها فكانت - والعياذ بالله - من الهالكين.