فتكون فِي ظاهرِ الأَمْرِ مخالفةً لمُقْتَضَى السياقِ، ولكِنَّه عند التأمُّل يَتبَيَّن للمرءِ أن الحِكْمَةَ هي أن تكونَ عَلَى هَذَا الوجهِ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: عِظَم هَذِهِ الأهوالِ وارتفاعها، فالشَّيْءُ إذا كَانَ مرتفعًا ولو كَانَ يجري بسرعة فَإِنَّهُ يُظَنُّ أَنَّهُ واقف.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أن هَذَا الأَمْرَ الَّذِي حصل لهَذِهِ الجبال هُوَ من صنعِ الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لِقَوْلِهِ:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}[النمل: ٨٨]، فالذي جَعَلَها جامدةً فِي الدُّنْيا راسيةً عظيمةً ثقيلةً جعلها فِي الآخِرَة {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}، وذلك صُنعٌ من صنعِ اللهِ الَّذِي لا يستطيعُ البشرُ أن يفعلوهُ.
الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: جواز إضافة الصُّنع إِلَى اللهِ {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}. ولكِن لا يُؤْخَذ منه إثبات اسمِ الصانعِ لله، ولكِن يُخْبَر به عن اللهِ، فيقال: إن الله تَعَالَى صانعُ كُلِّ شيءٍ عَلَى سبيلِ الخبريَّة، وَأَمَّا إثباتُ اسمِ الصانعِ فلا.
عَلَى أَنَّهُ يوجد فِي كلامِ شيخِ الإِسْلامِ ابن تَيْمِيَّةَ وكلامِ ابن القيِّم رَحَمَهُمَا اللَّهُ دائمًا كلمة (الصانع)، والظَّاهر أَنَّهُما أرادا بهَذَا مخاطبةَ أهلِ الكَلامِ بمثلِ ما يتكلمون به، كأن يُقال مثلًا: إثبات الصانع يَدُلّ عليه كذا وكذا، مَعَ أننا نرَى أن الأَولى والأفضل أن لا يُثْبَت حَتَّى بهَذَا اللفظ، بل يقال: إثبات الخالق دلّ عليه كذا وكذا، والخالق جاء فِي الْقُرْآن، وَهُوَ أبلغُ منَ الصانِعِ.
إنما عَلَى كُلّ حالٍ الإخبار عن الله بأنه صانعٌ مضافًا إِلَى التعميمِ مثل: صانع كُلّ شَيْء؛ هَذَا جائز لا بأس به، والنَّاس يَقُولُونَ فِي عباراتهم العامِّيَّة: صانع كُلّ