للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خُتِمَتْ بما يَدُلّ عَلَى العلمِ والخبرةِ؛ العلمُ بما يفعلُ العبادُ، فما هُوَ الجوابُ عن هَذَا؛ أي: عن العُدُول عن الأول إِلَى الثاني؟

الجواب: - واللهُ أَعْلَمُ - أن الحِكْمَةَ من ذلك هي أن قوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} جملة مُعْتَرِضة بالنِّسْبَةِ للمعنى، لا بالنِّسْبَة للإعرابِ، وأنَّ المقام يَقتضي الإخبارَ بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يعلم بما يفعلونَ؛ لِأَنَّ يومَ القيامةِ هُوَ يومُ الجزاءِ، والجزاء مرتَّب عَلَى العِلم، فلهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}، نظيره قوله تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: ٧]، فيَكُون هنا ذِكْرُ العلمِ بما يَفْعَل النَّاسُ فِي سياقِ يومِ القيامةِ للإشارةِ إِلَى أنَّ هَذَا اليومَ هُوَ يومُ الجزاءِ الَّذِي يَجِب عَلَى المرءِ أن يعملَ له ويَحتاط له.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ذكرتم فِي قوله تَعَالَى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} أَنَّهَا جملةٌ مُعْتَرِضة، ألَا يُشْكِل عَلَى هَذَا أنَّ الْقُرْآن معانيه كلها متناسِقة؟

المُرادُ بِقَوْلنا: جملةٌ مُعْتَرِضة؛ أي: من حَيْثُ المَعْنى، بمعنى أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى لمَّا ذكرَ حالَ الجبالِ يومَ القيامةِ بعدَ النفخِ فِي الصُّور ثُمَّ ذكر أن هَذَا من صنعه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وأن ذلك غاية الإتقانِ حَيْثُ كانت ثابتةً، ثُمَّ لمّا زالتِ الحاجةُ إليها أُزيلت؛ خَتَمَ الآيَة يما يَكُون تحذيرًا للناسِ مَن أن يعملوا ما يخالفُ أمرَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، ومعلومٌ أن التناسُقَ فِي الْقُرْآن منه ما هُوَ ظاهرٌ ومنه ما لا يَظْهَر إِلَّا بالتأمُّل، مثلًا قوله تَعَالَى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨]، مُقتضى السياقِ: فإنك أنتَ الغفورُ الرحيمُ، ومع ذلك ما كانت بل قَالَ: {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وعدّة آيَاتٍ من هَذَا النوعِ، يَتَوَقَّع الْإِنْسَان أن تُختَم الآيَة بكذا ثُمَّ تختم بكذا،

<<  <   >  >>