للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريدُ أنْ يقيِّدَ الإتقانَ بما صَنَعَ لكانَ كما قَالَ: {صُنْعَ اللهِ} قال: الَّذِي أتقنَ صُنع، ولكِنه تَعَالَى يبيِّن أَنَّهُ أتقنَ كُلّ شيءٍ صَنَعَهُ أو شَرَعَه، فما صنعه الله من المخلوقاتِ فَهُوَ متقَنٌ، وما شرعهُ اللهُ تَعَالَى منَ الأحكامِ فَهُوَ أيضا مُتْقَن، لَيْسَ فِيهِ خَلَل، قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالى فِي سورة تَبارَكَ: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٣، ٤]، وقال تَعَالَى فِي الآيَات الشَّرْعِيَّة: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢]، فبيَّن الله سُبَحَانَهُ وَتَعَالى فِي آيَةِ تَبَارَك وَفِي آيَة النِّسَاءِ أَنَّهُ مُتقِن لكلِّ ما صنع ومتقِن لكلِّ ما شَرَعَ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} بالياءِ والتاءِ (١)]، بما يَفعلون وبما تَفعلون، أَمَّا عَلَى قراءةِ الياءِ فيقول المُفَسِّر: بما يَفعلون، [أي: أعداؤه منَ المعصيةِ وأولياؤه مِنَ الطاعةِ]، ولكِن عَلَى قراءة التاءِ: {بِمَا تَفْعَلُونَ} فالخطابُ لجميعِ النَّاسِ.

(والخبير) بمعنى ذي الخِبرة، والخبرةُ هِيَ العلمُ ببواطنِ الأُمُورِ، وَعَلَى هَذَا فهي أخصُّ مِنَ العلمِ المطلَقِ، وإذا كَانَ عالمًا بالبواطِنِ فَهُوَ عالمٌ بالظواهرِ أيضًا، فاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى عَليم بالظواهرِ وبالبواطنِ.

وما مناسبة قوله: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} لمَّا تحدَّث اللهُ عنه من صُنعه؟ يعني كَانَ مُقتفَى السياقِ ألّا تُخْتَم الآيَة بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} بل تُخْتَم بِقَوْلِهِ: (إنه عليم حكيم) أو (إنه عَلَى كُلّ شيءٍ قديرٌ) ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وهَذَا يَقتضي أن تختم الآيَةُ بما يَدُلّ عَلَى القُدرة والحِكْمَةِ، ولَكِنَّهَا


(١) الحجة في القراءات السبع (ص: ٢٧٥).

<<  <   >  >>