وإضافته إِلَى المَفْعُول تقول مثلًا: عَجِبتُ من أكلِ الطعامِ مِن زيدٍ، وكذا: عَجِبْتُ من طَحْنِ الدقيقِ من زيدٍ، فالدقيقُ مطحونٌ، والطعامُ مأكولٌ، فَهُوَ مضافٌ إِلَى مَفْعُولهِ.
في هَذِهِ الآية: {صُنْعَ اللهِ} فاللهُ تَعَالَى صانِع، فيَكُون هنا مُضافًا إِلَى فاعله.
وقوله: [بَعْد حذف عامله] وُجوبًا وليس جوازًا، فيجبُ حذفُ العاملِ وجوبًا، وإنما وَجَبَ حذفُه لِأَنَّهُ مؤكد للجملةِ قبله، فتكون هَذِهِ الجملة بمنزلةِ العاملِ؛ أي: بمنزلةِ الفِعْل، ولا يُجْمَع بين البدلِ والمُبدَلِ منه، [أي: صنع الله ذلك صنعًا]، وَفِي إضافةِ الصنعِ إِلَى اللهِ هنا تعظيم] لهَذَا الأَمْرِ وَأَنَّهُ من الأُمُورِ العظيمةِ الَّتِي هِيَ من صُنع الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الَّذِي أَتْقَنَ}] أحكمَ {كُلَّ شَيْءٍ} صَنَعَهُ]، فالله تَبَارَكَ وَتَعَالى أتقنَ كُلّ شيءٍ صَنَعَهُ، ومن جملةِ إتقانِهِ أَنَّهُ حينما كانتِ الْأَرْضُ محتاجةً إِلَى هَذِهِ الجبالِ صارتِ الجبالُ راسيةً ورواسيَ تَرْسُو بها الْأَرْضُ، وهي أيضًا فِي نفسها ثابتة، ويوم القيامة تزولُ الحاجةُ إليها، بل تَقتضي الضَّرورَةُ زَوَالها، فتُزال هَذِهِ الجبالُ العظيمةُ، وبهَذَا نعلمُ أن اللهَ تَعَالَى صنعَ الجبالَ حينَ احتاجَ النَّاسُ إليها باقيةً، ولمَّا زالتِ الضَّرورَةُ إليها أزالها الله تَبَارَكَ وَتَعَالى، وبهَذَا نعرِف الحِكْمَةَ فِي قوله: {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، فصار وجودُ الجبالِ إتقانا وزوالها يومَ القيامةِ إتقانًا أيضًا.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: {أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} قَالَ المُفَسِّر: [صَنَعَه]، وينبغي ألا يقيّد بقولنا: صنعه؛ لِأَنَّ اللهَ أتقنَ كُلّ شَيْء صنعه وشَرَعَهُ، وَالَّذِي أوجبَ للمؤلِّف أنْ يقيِّد ذلك بِقَوْلِهِ: صنعه؛ لِأَنَّ السياقَ فِي مَقامِ الصنعِ، فلهَذَا قَالَ: الَّذِي أتقنَ كُلّ شيءٍ صَنَعَهُ، ولَكِننا نَقُول: إن الله تَعَالَى لم يَقُلِ: الَّذِي أتقنَ صُنْعَهُ، ولو كَانَ الله تَعَالَى - واللهُ أَعْلَمُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute