ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فليستْ بمعصيةٍ، بل خِلاف الأَوْلى، ولهَذَا لامَهُ الله عليها، وأيضًا موسى - صلى الله عليه وسلم - اعترف بأنه ظالمٌ فقال:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}[النمل: ٤٤].
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: موسى لَيْسَ بظالمٍ؛ لِأَنَّهُ لُدافِعُ عن قَوْمِه؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ وقَوْمَه تَسَلَّطُوا عَلَى قومه؟
قُلْنَا: هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ؛ لِأَنَّهُ معهم فِي الْأَرْض، وهَذَا الرجل بالذاتِ بينَه وبين الثاني عهد، وهما يَتخاصمانِ فِي مسألةٍ خاصَّةٍ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: رَحْمَةُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالى بِنَبِيِّه موسى؛ لِقَوْلِهِ:{يَامُوسَى لَا تَخَفْ} فإن هَذَا من رحمةِ اللهِ به؛ لِأَنَّهُ إذا قَالَ له:{لَا تَخَفْ} وقد عَلِمَ أَنَّهُ ربُّ العالمينَ فلا يمكن أن يخافَ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: جواز توجيه الأحكامِ الشَّرْعِيَّة إِلَى الأُمُور الفِطْرِيَّة. يعني مثلًا أنت إذا قلت لإِنْسَانٍ: لا تَخَفْ. والخوف طبيعيٌّ فكيف يَدْفَعُه عنه؟ فهل يَتَوَجَّه الحكم إِلَى مثلِ هَذِهِ الأُمُورِ الطبيعيَّة؟
نَقُول: نعم يمكن؛ لِأَنَّ الخوفَ وإنْ كَانَ أمرًا طبيعيًّا غيرَ شعوريٍّ؛ لِأَنَّهُ يأتي الْإِنْسَان بغيرِ اختيارِه، لَكِنَّهُ يُمْكِنه معالجتُه بالمدافعةِ، ولهَذَا جاء رجلٌ إِلَى الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فقَالَ: أَوْصِني، فقَالَ:"لَا تَغْضَبْ"(١)، والغَضَبُ من طبيعةِ الْإِنْسَان. لكِن معنى لا تَغْضَبْ: يعني حاوِلْ أن تُقَلِّلَ من غَضَبِكَ، وأن تكونَ دائمًا هادئًا، ثُمَّ إنْ غَضِبْتَ فلا تُنَفِّذْ مُقْتَضَى هَذَا الغضبِ.
(١) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون}، {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، حديث رقم (٥٧٦٥)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.