للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالحاصل: أن هَذِهِ المسائلَ ينبغي للإِنْسَانِ إذا أرادَ أن يَهِمَّ بأمرٍ ويمشي عَلَى منهاجٍ أنَّهُ يجعل معه أقوامًا يساعدونه ويتعاقدُ معهم ويتعاهَد، فإن كَانَ فِي خيرٍ فخيرٌ، وإن كَانَ فِي شرٍّ فالله يَتَوَلَّاهُم، وهنا {تَقَاسَمُوا} عَلَى شرٍّ من أعظمِ الشرورِ.

الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: فيها دليلٌ عَلَى مبدأ الاغتيالاتِ؛ بمعنى أن الاغتيالَ موجودٌ حَتَّى فِي الزمنِ السابقِ، هَذَا المقصودُ، وَلَيْسَ معنى هَذَا أن هَذَا المبدأ مُباح، بل المُراد أن هَذَا موجودٌ ولا زالَ موجودًا، فغالبُ الأُمُورِ من خيرٍ أو شرٍّ تَجِدُ لها أصلًا فِي الأممِ السابقين؛ لِقَوْلِهِ: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ}؛ لِأَنَّ التبييتَ اغتيالٌ، إذ إن الاغتيال معناه هُوَ القتل عَلَى غِرَّة.

ولهَذَا كَانَ الصَّحيحُ من أقوالِ أهلِ العلمِ أن الغِيلَة لَيْسَ فيها خِيَار لأولياء الدمِ، وَأَنَّهُ يَجِب قتلُ المُغتالِ بكلِّ حالٍ، حَتَّى لو عَفَوْا، وهَذَا مَذْهَبُ مالِكٍ واختيار شيخِ الإِسْلامِ ابنِ تَيْمِيَّة (١)؛ لِأَنَّهُ لا يُمْكِن التحرُّز منه، وَهُوَ فسادٌ فِي الْأَرْض، ولا يُعارِض هَذَا قولَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ" (٢)؛ لِأَنَّ قوله: "مَنْ قُتِلَ لَهُ" هَذَا منَ الحقوقِ الخاصَّة، وَأَمَّا مسألة الاغتيال فإنها من الحقوقِ الْعَامَّةِ، حيث يأتي للإِنْسَانِ فِي مَأْمَنِهِ وَيقْتُلُه! ففِعل القاتل الَّذِي فِيهِ التخييرُ أَنَّهُ يأتيه ولو لم يوجدْ عندَه أحدٌ لكِن المهمّ أن المقتولَ يُمْكِن أنْ يَتَحَرَّز منه بالفرارِ أو بالمدافعةِ أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فيحصل القتل، أَمَّا أن يأتيَه وَهُوَ نائمٌ مثلًا أو يأتيه فِي بيته وَهُوَ غافلٌ، فهَذَا لا يُمكِن التحرُّز منه؛ لِأَنَّهُ إذا جاءه وَهُوَ يعلمُ به فيُمْكِنه أن يَتَحَرَّز


(١) انظر: بلغة السالك (٤/ ١٦١)؛ زاد المعاد (٤/ ٤٩).
(٢) رواه البخاري، كتاب الديات، باب من قتل له قتيل فَهُوَ بخير النظرين، حديث رقم (٦٤٨٦)؛ ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إِلَّا لمنشد على الدوام، حديث رقم (١٣٥٥)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>